خبير آثار: الأخلاق والضمير سرا ازدهار وعظمة الحضارة المصرية القديمة
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن تصوير حياة الأسرة في مصر القديمة هي العامل الأول في ظهور الأفكار الخلقية ونموها، حيث صور على جدران مقابر سقارة، المصرى القديم يصطحب زوجته فى الجولات الفسيحة فى أرجاء ضيعته وكانت تشاطره فى كل حياته وكل أعماله وهو يصطاد فى المستنقعات وفى صحبة أطفالهما وكلهم فى قارب من القصب يسبح بين أزهار البردى الطويلة وينحنى الطفل نحو الماء ليقطف زهور السوسن المائية.
وأضاف ريحان - فى تصريح له اليوم - أن "علماء النفس أكدوا أن الوازع الخلقى فى حياة الإنسان نبت من المؤثرات التي تعمل في العلاقات الأسرية، حيث أوضح عالم النفس "مكدوجال" أن العلاقات الأسرية الحميمة هي الدافع إلى الحب والرعاية الذي ينشأ منها الكرم والاعتراف بالجميل والشفقة وحب الخير، وقد اتضح ذلك في حياة أحد حكام المقاطعات بمصر القديمة في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد الذى ذكر " لقد أعطيت خبزاً لكل الجائعين فى جبل الثعبان (اسم ضيعته) وكسوت كل من كان عرياناً فيها وملأت الشواطئ بالماشية الصغيرة ولم أظلم أحداً قط فى ممتلكاته ولقد كنت محسناً لأهل ضيعتى وأنى لم أنطق كذباً لأنى كنت أمرأ محبوباً من والده ممدوحاً من والدته رفيع الأخلاق مع أخيه ودوداً لأخته "، وذلك طبقا لما جاء فى كتاب فجر الضمير لهنرى برستيد.
وتابع أنه فى القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد كان أحد ألقاب الملك "وسر كاف" الرسمية لقب مقيم العدالة "ماعت"، كما أن حكم "بتاح حتب" تمدنا بأقدم نصوص موجودة فى أدب العالم كله للتعبير عن السلوك المستقيم، موضحا أن بتاح حتب هو الوزير الذى اعتزل منصب الوزير الأول للملك "إسيسي" أحد ملوك الأسرة الخامسة في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد، وحين تقدم به السن طلب من الملك أن يسمح له بتعليم ابنه ليعده للقيام بأعباء الواجبات الحكومية حتى يكون مساعدا لوالده وخلفا له ووافقه الملك، ونصح بتاح حتب ابنه قائلا "لا تكونن متكبراً بسبب معرفتك فشاور الجاهل والعاقل لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها وليس هناك عالم بلغ فى فنه حد الكمال وأن الكلام الحسن أكثر اختفاء من الحجر الأخضر الكريم".
وأشار إلى نصائح بتاح حتب لابنه بحسن الذوق واستعمال الذهن الذى أطلق عليه كالمعتاد كلمة "القلب"، وأن أحسن الصفات القيمة التى يجب على الشاب أن يتحلى بها أن يكون قادراً على الإصغاء أو الطاعة وأن ثروة المرء العظيمة هى عقله وأن الأحمق الذى لا يستمع، كما نصحه بآداب المائدة بقوله" خذ ما يقدم لك حينما يوضع أمامك دون أن تنظر إلى ما هو أمامه وتكلم فقط بعد أن يرحب بك وأضحك حينما يضحك فإن ذلك يدخل السرور على قلبه وتكلم فقط إذا كنت تعلم بأنك ستحل المعضلات ولا تفخر بثروتك فإنك لست بأفضل من غيرك من أقرانك الذين حل بهم ذلك وإذا كنت رجلاً ناجحاً فأسس لنفسك بيتاً واتخذ لنفسك زوجة تكون سيدة قلبك وأحب زوجتك كما يجب وأشبع جوفها واستر ظهرها واجعل قلبها فرحاً ما دمت حياً فهى حقل مثمر لسيدها"، كما نصح ابنه بتوفير العطور والروائح والدهان الغالية لزوجته قائلاً "إن علاج أعضائها هو الدهان".