وفيك انطوى العالم الأكبر
خلق الله الإنسان حر طليق ‘ مسخر له السموات والأرض ‘ جعلة حر مثل الطير الذي تغدو خماصا ( روحه فارغة من كل شئ سوا شريط حياته الذي يعرض عليه وهو داخل رحم أمه ) ثم تروح بطانا ‘ بعد أن تمتلئ بطنة من رزق الله ‘ هكذا خلقنا على الفطرة ‘ونسعى في الأرض لملئ تلك الروح من كل شئ في رحلة تسمى ( الحياة ) فكتب علينا فيها من كان شقيا أم سعيداً ‘ والسعادة والشقاء ليس بمجمل تعبيرها مثلما تنطق الكلمه ولكن ‘ السعادة والشقاء هم الجنة والنار ‘ وانت من تحدد ذلك ‘ تلك الحياة هي العالم الأكبر لكل إنسان هكذا تتخيلها ولكن هذا غير صحيح ‘ فالإنسان هو العالم الأكبر لتلك الحياه.
في حقيقة الأمر أنت إنسان دواؤك فيك وما تبصر , وداؤك منك ولا تشعر وتحسب أنك جرم صغير, وفيك انطوى العالم الأكبر.
هكذا أنت بث الله من روحه فيك وجعل فيك عالم أكبر من أي عالم ‘ أحلامك ‘ وآمالك ‘ خيالك ‘ ماتبوح به وماتكمن ‘ جعل فيك سبع طبقات من الوعي والإدراك لما حولك ‘ خلقنا مختلفين ‘ متنوعين حتى في أشكالنا ‘ الواننا ‘ ولغتنا ‘ منا من يبحث عن ذاته ونفسه ومنا لم ولن يعرف لما آتي ؟ ولماذا سيأتي ؟! ولما البقاء ؟!.
ومنا من يبحث ويعي في كل تفاصيل فالحياه ‘ منا من يعطي للحياه ومنا من يؤخذ منها ‘ منا من يبحث عن الأفضل دائما ‘ ومنا من يرضى بواقعه دائما دون أي محاولة للتطوير ‘ أين كان من أنت ! فأنت مادمت تتنفس وعلى قيد الحياة فأنت على قيد الفرصة ‘ تلك الفرصة التي يمنحها الله للإنسان مرة واحدة ‘ فرصة لمعرفتك كيف تعيش تلك الحياة ؟ وتتغلغل فيها وأنت على دراية كاملة بما تحتويه تلك الحياة .
أتذكر الشاعر إيليا أبو ماضى عندما قال : في بيت شعر مبدع وموجِز متحدثًا عن الحياة ‘ فقال: ( ليْسَتُ حَياتَكَ غَيْرَ ما صَوَّرْتَها أَنْتَ الْحَياةُ بِصَمْتِها وَمَقالِها، وعن الحياة وفيها سنُبحر فى حديث ذى شؤون وشُجون )
فكيف يكون لحياتنا المعني المبدع الذي يؤثر ويحفر على جدران الأيام ‘ وفي قلوب من حولنا دون وعي عن من نحن ؟!
بوعيك لما حولك هو أساس وتقديرك وتقديسك لما تملك.
فالوعي والإدراك نسبه وتناسب تحددها وجهات النظر التي تختلف عن بعضها باختلاف البيئة والوعي والصعوبات والأمور التي تختلف من شخص لآخر ‘ وبمرور الحياة ومع الوقت مثلا ستدرك معنى الإختلاف و الإدراك ثم ستعرف.
أن الأمر البديهي بالنسبة لك لا يبدو كذلك بالنسبة للآخرين، فستدرك أن واقع كلمة معينة على أذنك يضاهي واقع كلمة أخري مختلفة على أذن إنسان آخر.
وأن المطر مثلا ليس حميمي بالنسبة لسيدة تخطت الأربعين ومازالت تحلم بزنابق بيضاء على سور نافذتها الخارجي، في حين أن يكون حميمي بالنسبة لأخرى.
وايضا ستعرف أن مقدار المتعة في سماعك لموتسارت وشوبان قد يكون مضاعفًا عند سماع احدا اخر للون الجديد كالمدفعجية .
وان الورود الحمراء ليست بتلك الأهمية حين لاتملك ثمن علبة الدواء، وان الموسيقى لا تكون مهدئة للأعصاب حين يعلو صوت المروحيات والمدافع، وان الشِعر لن يجعلها تلقي بترسانتها الدفاعية وأن المال لن يعيد له إبنته الوحيدة، او الصحه ‘ في حين أن الآخر يعتقد ان بالمال كل شئ ‘
ستدرك أن المهمة الأصعب ليس في القدرة على الإحتفاظ بالأشياء بل في التخلي عنها، في حين أن الصعوبة لدى الآخر تكمن في كيف تتخلى عن أملك في أن تعود حبيبتك البعيدة لك، و أن تتخلى عن أملك في أن يصبح الوضع أفضل، في حين أن الأمل في حد ذاته موجع عند البعض حينما لا يتبقى سواه .
فالحياة هكذا دائماً تختلف ‘ وأنت من تحدد أنت من فيها ‘ داؤك أم دواؤك ‘‘ أتذكر الشاعر الأمريكي روبرت فروست الذى يعتبر أحد أعاظم شعراء اللغة الإنجليزية عندما قال : ( أستطيع تلخيص كل ما تعلمته عن الحياة فى ثلاث كلمات: إنها مستمرة ).
بالفعل الحياة مستمرة، إلا أن النقطة الأكثر أهمية: هي كيف تستمر !؟ في حقيقة الأمر كل شئ يكمن في كيفية استمراره فهل يا ترى ‘ أنت حياتك مستمرة !؟ أم تستمر فيك الحياة! ؟
دعوة للتفكر.