الكاذبون
الكذب يعد من أسوء الرذائل لأنه عكس فضيلة الصدق وهو فعل تبغضه الفطرة البشرية، وهذا الفعل ما هو إلا مخطط لتوجيه الرأي العام أو فئة بعينها لخدعاها وإيهامهم بأحداث حقيقية، على الرغم من أنها بعيدة تمامًا عن الحقيقة وهم يدركون ذلك غالبًا، يقال أن رجال السياسة لا يكذبون ولكنهم (يقتصدوا في الحقيقة)، وبما أن السياسة ما هي إلا (فن الممكن) فهي دائما مغلفة بالكذب, والكذب يعد أداة من أدوات الفعل السياسي سواء على المستوى المحلي أو في العلاقات الدولية، ولذلك دائما أقول أن السياسة دناسة والدين قداسة، ولا يجوز خلط القداسة بالدناسة ومن هنا جاءت العلمانية، والعلمانية هي فصل الدين عن الدولة وليست الحاد.
احيانا يكون الكذب مقبولاً، فمثلا اثناء الاصلاح بين زوجين وذلك بغرض دوام الحياة الزوجية حفاظاً على حياة الاطفال او من اجل تبرئة شخص بريء من اذى قد يلحق به, او بعض المجاملات البسيطة عند امتداح شخص يرتدي ملبس رديء, او امتداح وجبة غير مرغوب فيها, او امتداح الزوجة والثناء على الابناء من اجل تحفيزهم.
في يوم 19 مارس 2003 قامت إدارة جورج بوش بغزو العراق بحجة أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل تارة, وتارة أخرى أن صدام حسين يربطه علاقة صداقة بأسامة بن لادن وكلاهما خطر على الشرق الأوسط والبشرية جمعاء، وبدؤوا في تشكيل جوقة في وسائل الإعلام الغربية والعربية، وكلنا يعرف جيدا هذه القنوات وما هي إلا أدوات لأجهزة مخابرات أمريكية وأوروبية وبدؤوا في توجيه وإعداد الرأي العام العربي والدولي بحجة أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل واستخدامة لأسلحة كيميائية ضد شعبه إذا فهوا قادر على استعمال هذه الأسلحة ضد الآخرين بما انه استعملها قبل ذلك ضد شعبه.
حقيقة هؤلاء الكذابون كانوا متأكدين ان صدام حسين لا يملك اي اسلحة للدمار الشامل كما زعموا، لأنه لو كان يمتلك حقا هذا السلاح ما تجرؤا على غزو العراق.
بعد أن غزوا ونهبوا العراق ونهبوا ثرواته وخيراته وقسموه إلى طوائف متناحرة (سنة, شيعة, اكراد, يزيدين...) وبعد اعدام صدام حسين القوا اللوم عليه، بحجة انه اوهمهم وخدعهم بانه كان يمتلك أسلحة دمار شامل.
في الحقيقة هذه مؤامرة كانت مكتملة الأركان وقد تم اعدادها وتنفيذها بعناية فائقة، وخصوصًا لاختيارهم للسيد البرادعي على راس هيئة الطاقة الذرية وتقاريره المؤيدة لهذا الغزو، على الرغم من علمه بكذبهم وشكل ما يسمى بتقرير (دلفر)، والذي صدر في علم 2004 (عن مجموعة مسح العراق) وقاموا بتشكيل فريق دولي يتكون من اكثر من الف مفتش، وذلك بغرض فحص ما اسموه بأسلحة الدمار الشامل بالعراق وبعد تدمير العراق وبنيته التحتية، وفي نهاية هذه المسرحية الهزلية انتهوا بان صدام حسين لم يملك اسلحة دمار شامل بل، وقالوا انه كان يقول الحقيقة ولكن كان له علاقة بأسامة بن لادن (المسؤول عن احداث 11 سبتمبر) علمًا بان بن لادن واعوانه تم إعدادهم في أميركا بواسطة أجهزة المخابرات الامريكية بعد تدمير العراق توجهوا إلى سوريا وقتلوا ما يقرب من 500 الف مواطن سوري وشردوا اكثر من 2 مليون داخل وخارج سوريا وهناك 2 مليون مصاب فرحيل بشار الاسد من عدمه لا يعنيهم كثيرا وما هو لا مسرحية اخرى، ولكني أتذكر مقولة بنجوريون مؤسس دولة إسرائيل عند افتتاحه لمفاعل ديمونة النووي "حتى لو امتلكنا اكثر من 500 رأس نووية في دولة اسرائيل، فهناك ثلاث دول لابد من تدميرهم على اساس ديني وطائفي وعرقي وهذا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الاخر وهذه الدول هي العراق, وسوريا, ومصر".
فلم يتبق لهم سوى مصر ولكن لابد ان يعرفوا ان مصر كانت دائما وابدا مقبرة للغزاة.
حقيقة الكذب يعد شيئا مجرما ومحرما في الاديان وفي الحياة اليومية، ولكنه يبقى شيئا مبررًا ومقبولاً ومباحاً في السياسة والعلاقات الدولية، او كما يسميه الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (الأكاذيب النبيلة).