الخطاب الديني.."تجديد" يرجع إلى الخلف.. شومان: الاجتماعات مستمرة.. وكريمة: الملامح لم تتضح.. عمار: يحتاج وقتًا طويلًا.. المسلماني: نخوض معركة
منذ أن بدأ الرئيس السيسي، عام 2015، بدعوة أئمة العالم الإسلامي لتبني مفهوم جديد حول الخطاب الديني السائد، محملًا شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، مسئوليتهما التاريخية، وقال تصريحه الشهير: "سأحاججكم أمام الله بالخطاب الديني"، وقد بدأ الأزهر في دعوة مجموعة من المثقفين والمفكرين بجانب رجال الدين لبحث سبل وآليات تجديد الخطاب الديني، فعقدت مجموعة من الاجتماعات كان أولها في 26 من شهر يونيو، ثم الاجتماع الثاني في الثاني من يوليو.
وكان الاجتماع الأخير قد عقد في السادس من نفس الشهر بحضور شيخ الأزهر أحمد الطيب، والدكتور عباس شومان، والدكتور محمد رفعت عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق والدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، والدكور محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، بجانب مجموعة من المثقفين أبرزهم (يحيى قلاش نقيب الصحفيين، والإعلامي أحمد المسلماني، والدكتور مصطفى الفقي، والأديب يوسف القعيد، والدكتور جابر نصار، والأديب صلاح فضل)، الذي أعد الوثيقة النهائية لتلخيص ما جاء خلال الاجتماعات الثلاثة.
لكن الأزهر اعترض على صياغة الوثيقة التي أعدها الأديب صلاح فضل، فقد سجل الأزهر أن الصياغة لا تصلح لوثيقة من قبل الأزهر، لكنها تليق بوثيقة صادرة عن وزارة الثقافة أو وزارة الشباب، وأن أسلوبها خال من المضمون، كما سجل الأزهر اعتراضه على خلو الوثيقة من تعاريف ووسائل وآليات وأهداف التجديد، كما اتهم صلاح فضل الأزهر بالتحريض على نقد الأديب طه حسين، من خلال مجلة الأزهر ولا يحق للأزهر توجيه النقد لــ طه حسين وقاسم أمين، حيث خرج الاجتماع الثالث بمجموعة من خلافات لم تنته ولا توجد أي ثمار بشأن تجديد الخطاب الديني وأصبحت كل الاجتماعات مجرد "شو إعلامي" تبقى قراراته حبيسة الإدراج.
الأزهر قادر
من جانبه أوضح الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، أن مسألة تجديد الفكر الديني لن تتوقف على إصدار وثيقة بقدر ما هي مسألة قناعات تتبناها جميع المؤسسات وتؤمن بها وتعمل على تطبيقها سواء في الإعلام والتعليم والأوقاف والثقافة، فلا يمكن أن تنجح جهود التجديد دون قناعة من تطبيق ما ستسفر عنه المناقشات، مشيرًا إلى أن اللقاءات ستستمر فلسنا في عجلة لأننا نريد أن نصل إلى فكر يستفيد منه الجميع عن قناعة وليس عن إلزام.
تجديد الخطاب
وتابع الدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إنه تم الاتفاق خلال اللقاءات على أن تجديد الخطاب الديني ليس مسئولية الأزهر وحده، وإنما لابد أن تشارك فيه كل المؤسسات، لمواجهة تزييف الحقائق واستقطاب الشباب من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية.
وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أنه تم عمل مداخلات من قبل المثقفين والمفكرين خلال اللقاء، وأدلى كل منهم بدلوه حول مفهوم تجديد الخطاب الديني، والقضايا التي لها أولوية كبرى لمناقشتها، لافتًا إلى أنه سيتم التركيز على المعالم الحقيقية للإسلام، عند إصدار الوثيقة.
وقال الكاتب الصحفي أحمد المسلماني: إن قضيتنا الأولى والأساسية في المناقشات هي مواجهة التطرف بكل أشكاله وفكر "داعش" بصفة خاصة، ومواجهة الآلة الإعلامية الداعشية التي تنافس صناع السينما في هوليوود.
وأكد أننا نخوض معركة مهمة للدفاع عن الإسلام وحمايته من مختطفيه، تتمثل في دعم الأزهر الشريف كمرجعية لمسلمي العالم في مواجهة التطرف والتشدد، وأن يكون الأزهر هو المتحدث والمعبر عن رأي جميع المسلمين وليس تلك الحفنة من المتشددين والمتطرفين.
وطالب المسلماني وسائل الإعلام بدعم الأزهر الشريف ودوره خاصة في تلك المرحلة التي يبذل فيها الأزهر جهدًا كبيرًا على كل المستويات والتي استطاع خلالها أن يسترد الكثير من دوره في مواجهة أفكار الظلام.
آليات التجديد
بينما أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن الملامح لم تتضح بعد لأن كل اللقاءات التي عقدت مع بعض العلماء في الأزهر ومجموعة مما يطلق عليهم المثقفون مع التحفظ على هذا المصطلح لم تصفر عن شيء، وكان هناك مشروع إخراج وثيقة تعبر عن ما توصلنا إليه في قضية الخطاب الديني، وتم إسناد إعدادها إلى الكاتب صلاح فضل.
وأبدى أستاذ الشريعة بعض الملاحظات على الوثيقة التي أعدها الدكتور صلاح فضل، منها أنها لا تعبر عن روح الأزهر الشريف كما أنها لابد أن تأخذ الشكل الإسلامي، والدباجة الأزهرية المعروفة، وأن تبتعد عن أفكار لا صلة لها بتجديد الخطاب الديني مثل إقحام موضوع الحدود الشرعية في التشريع الجنائي الإسلامي واستبدالها بالقوانين الوضعية، فلا علاقة بهذا الأمر بتجديد الخطاب الديني، كما لابد الابتعاد عن عمومية ذكر المجددين بدلًا من حصرها على أمثلة ليس لها علاقة بالتجديد مثل قاسم أمين وطه حسين، ويجب أن تشمل الوثيقة على نصوص وقواعد شرعية لأنها معبرة عن الأزهر فهو مؤسسة إسلامية قائدة وقيادية في نفس الوقت.
التجديد والتبديد
وطالبت الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، ألا نقتلع من جذورنا ولا نغترب عن مستجدات عصرنا، فعلينا أن نأخذ من التراث ما يصلح وينفع قضايا عصرنا، فإن مسألة تجديد الخطاب الديني تحتاج إلى دراسة علمية دقيقة فالتراث الإسلامي لديه كم كبير من المصادر في التفاسير والاجتهادات البشرية يجب النظر إليها والتدقيق فيها للتأكد من مصداقيتها، والعمل على تقويتها.
وذكرت الدكتورة آمنة نصير، أنه لا توجد أية نتائج واضحة بشأن تجديد الخطاب الديني، منذ مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي لشيخ الأزهر والأئمة والدعاة بتجديد هذا الخطاب لنشر أخلاق الرسول وصحيح الدين وتصحيح الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي لا تتعلق بالدين الإسلامي.
يحتاج وقتًا طويلاً
وأكد عمار على حسن الكاتب والباحث السياسي، أننا نعاني من خطاب ديني قديم، يشوبه العديد من السلبيات، ولابد من إشراك الجميع في صياغة الخطاب الديني الجديد، دون الاعتماد على جلسات المشايخ أو تكليف الأزهر والأوقاف وحدهم بهذه المهمة فالأمر أكبر من مسألة التجديد، فنحن في أمس الحاجة لإصلاح ديني شامل وليس لتجديد الخطاب فقط.
وتصور عمار على حسن، أن تجديد الخطاب يبدأ بالاعتراف بأن الإيمان مسألة فردية، لا يسيطر عليه أية مؤسسة، إنما تتبع ضمائر أشخاصها، وليس مطلوبًا من علماء الدين إلا التفكير والإخلاص، دون فرض وصاية على الأفكار والمعتقدات، كما يجب الفصل بين الدين والسلطة السياسية، حتى لا يتحول الدين إلى أيديولوجيا في يد الحاكم.
وشدد عمار على ضرورة الربط بين تدني الرؤية الدينية في إصلاح المجتمع برفع الظلم ومقاومة الفساد وتردي الأحوال المعيشية، فلا يمكن الفصل بين وجود مجتمع فاسد مثلا والمسار الديني للأمة.
وذكر أننا نعاني من نقص كبير في الأخلاق فمن دون أن نجد خطابًا ينهي عن السباب والرشاوى والفساد، لن يتحقق الإصلاح المطلوب.
الفكر الأحادي
وبدوره، قال مساعد رئيس حزب النور السلفيّ نادر بكار لـ"العربية نيوز": إنّ فشل ثورة التّصحيح
الدينيّ يعود إلى عدم وجود نقاش علميّ له أرضيّة واحدة، فكلّ تيار له تصوّره الخاص
به ودوافعه الّتي ينطلق منها، ولا يقبل بالتنازل حتّى لا يفقد ثقة مؤيّديه، في
حين أنّه يمكن أن نبدأ من كتب التراث كانطلاقة حقيقيّة لثورة التّصحيح الدينيّ، إذ
يمكن أن يجتمع لفيف من رجال الدين في الأزهر ومن المثقّفين والباحثين من خارجه،
إضافة إلى رجال الدولة الّذين تكون في أيديهم سلطة التّنفيذ، لوضع أسس علميّة
تمكّننا من تنقية كتب التراث بعدم أخذ الأجزاء الّتي لا تصلح، إلاّ لتلك العصور
السابقة لأنّ آراء علماء الدين الإسلاميّ منها ما هو صحيح، ومنها ما هو نسبيّ أيّ
أنّها تصلح لعصور معيّنة من دون غيرها، ومنها أيضًا ما هو خاطئ لأنّهم بشر قد
يخطئون
وقال رئيس الاتّحاد العالميّ للطرق الصوفيّة الشيخ محمّد أبو
العزايم، إنّ سبب تأخّر الخطاب الدينيّ يعود إلى غلق باب الاجتهاد.
وذكر أن الشعوب
المسلمة أصبحت مقيّدة بأفكار فقهيّة تعود إلى ألف عام متمثّلة في منهج الأئمة
الأربعة، وهو ما يمثّله المنهج السلفيّ حاليّا.
خواء المناهج
وأوضحت الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث
الاجتماعية والجنائية، أن الخطاب الديني أصبح بمعزل عن المجتمع فلابد أن يكون هناك
خطابًا ثقافيًا أولًا يحتوي على لغة راقية بها تصحيح للمفاهيم والمصطلحات المغلوطة
التي اتشرت في المجتمع، فالخطاب الديني يحتاج إلى مناخ ثقافي عام يشارك به كل
مؤسسات الدولة بمثابة تعاون كامل بينهم
وذكرت أستاذة علم النفس السياسي، أن نتائج دراسة اهتمت بأسباب
خروج الجماعات الإسلامية المتطرفة وانتشارها، وكان أحد أهم أسباب انتشار تلك
الجماعات هو خواء المناهج التعليمية من صحيح الدين، فالشباب متعطش للثقافة
الدينية، فبُعد المؤسسات الدينية عن الشباب فتح أبواب كبيرة لعمل أنصاف الدعاة
أصحاب الفكر المتطرف التقرب من هؤلاء الشباب واستقطابهم إلى الجماعات المتطرفة
بعيدًا عن المؤسسات الدينية.