عقول "المنابر".. التأثير بالعاطفة وليس بمشكلات الواقع.. الدولة تحارب معاهد "بير السلم".. و"الأوقاف": نحاول ضبط الخطاب الديني
"عبدالطيف": القرار يضيف كثيرا إلى الوسطية .. "عامر": الإغلاق يساعد
التنظيمات السرية
"خليفة": الأئمة منفصلون عن الواقع.. "رشدي": الدعاة ضمن الفئة
المهمشة والمهملة
وسط
الجدل المتصاعد حول دور الدعاة والأئمة والخطباء، وضرورة تطوير الخطاب الديني
وتعزيز دوره؛ لاحتواء الشباب ونشر الإسلام المعتدل، فإن الخطاب لن يتجدد ما دام
هناك دعاة غير مؤهلين يتعاملون مع أفراد المجتمع.
وخلال
الفترة السابقة عانت الدولة من انتشار الأئمة والخطباء غير المؤهلين للعمل بالدعوة
خاصة بعد انتمائهم لجماعات متطرفة وإرهابية، حتى جاء قرار رئيس مجلس الوزراء
المهندس إبراهيم محلب، بمنع عمل معاهد إعداد الدعاة التي انتشرت في الفترة الأخيرة
بشكل كبير، فلا يمكن السماح لأي معهد إلا كانت مناهجه معتمدة من الأزهر الشريف
وتحت رقابة وزارة الأوقاف.
فما أكثر معاهد إعداد الدعاة والأئمة التي انتشرت في المحافظات بعيدا عن رقابة الأزهر سواء على المدرسين غير المتخصصين أو طبيعة المواد التي تدرس للطلاب فربما تحمل بعض الأفكار المتطرفة التي تضر المجتمع، فالجمعية الشرعية لديها 38 معهدا على مستوى الجمهورية وأنصار السنة المحمدية يتبعها عشرات المعاهد الخاصة، بجانب معاهد الدعوة السلفية وجمعية الفرقان لها أيضا بعض المعاهد البعيدة عن رقابة الأزهر.
وعن كيفية التقديم لهذه المعاهد فهي بسيطة جدا، فيشترط معهد الدكتور
جميل غازي لإعداد الدعاة الحصول على مؤهل عالي أو متوسط، وأن يكون الطالب حافظ ثلاثة أجزاء من القرآن على الأقل وحفظ الأربعين النووية، ودراسة كتاب شرح الأصول
الثلاثة لابن عثيمين، فتوافر هذه الشروط في أي شخص يمكن أن يصبح طالبا في معهد
لإعداد الدعاة والخطباء.
الأوقاف
والرقابة
من
جانبه رحب الدكتور خالد عبد اللطيف مدير عام الإرشاد الديني، بعدم السماح بعمل أي معهد من معاهد إعداد الدعاة أو الثقافة الإسلامية التابعة لها، إلا إذا كانت مواده
التعليمية تحت إشراف الأزهر الشريف ورقابة وزارة الأوقاف.
وقال
مدير عام الإرشاد الديني: "إن القرار يضيف كثيرًا إلى الوسطية، ويساعد على ضبط الخطاب
الديني، والتقليل من التطرف"، مؤكدا أن وزارة الأوقاف ستتعاون مع الأزهر؛ لتطبيق هذا
القرار في أسرع وقت، نظرًا للحاجة الشديدة في تنفيذه، لافتا إلى أن الأوقاف لا
تعترف بأي شهادة من معاهد إعداد الدعاة غير المرخصة من الوزارة، فهناك 19 معهدا
تابعين للرقابة.
وأكد "عبد اللطيف": "أن وزارة الأوقاف، لابد أن تُشرف على الأساتذة، والكتب التي تدرس
في معاهد إعداد الدعاة والأئمة، وذكر أن معيار اختيار الدعاة هو الكفاءة والثقافة
الدينية والعلمية، والقدرة على المعايشة والتعامل مع الواقع، والسرعة في مواجهة
المشكلات وحلها مباشرة دون انتظار تصعيدها للجهات الأعلى".
سياسة
الإغلاق والسرية
بينما
اختلف الدكتور محمد عامر أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر مع قرار المهندس إبراهيم محلب، ووصفة بأنه: "قرار باطل من حيث الدستور والشرع، فلم يعرف تاريخ الإسلام
في عصور التقدم قصر الخطاب الديني على جهة واحدة أو فكر ديني أحادي، فالأزهر
بمنهجة ودراستة هو أحد أسباب تنامي الأفكار التي نعاني منها الآن، فمنذ سنة 28 إلى
الآن لا يوجد كتب علمية صادرة عن الأزهر أو الجامعة تفند فكر حسن البنا و سيد قطب،
ولا يوجد رسالة ماجستير أخذت الرد على فكر هذا التيار المتطرف" .
وتصور
"عامر": "أن المعاهد الخاصة بالدعوة يسأل عنها أصحابها، فإذا كان لا
يخالف الشريعة الإسلامية فما الذي يمنع من إبقاء هذا الوضع، لكن التمادي في التضيق
على الدعاة الذين لا ينتمون إلى الأزهر من الناحية الفكرية، سيؤدي إلى تنامي التنظيمات السرية والعمل الدعوي السرى، فمعالجة الإرهاب يأتي من فكر ديني شرعي علمي وليس بقرارات حمقاء، فما الذي منع الأزهر من مناقشة الفكر الإرهابي طول
السنوات السابقة، فأنصار السنة المحمدية لهم معاهد إعداد الدعاة، لكن لا يوجد بها أي شخص أدين في قضية إرهابية أو حتى اتهم فيها خلال كل هذا التاريخ".
وأشار إلى "أن هناك رموزا عالمية محسوبة على الفكر المتطرف من داخل الأزهر مثل أحمد العسال، ومحمد فرغلي، وعبدالرحمن البر، وسلامة عبدالقوي، وسيد سابق مستشار التنظيم السري للإخوان، ومحمد الغزالي وهو عضو في مكتب الإرشاد، ويوسف القرضاوي عضو هيئة كبار العلماء، وعبد الله بركات عميد سابق بالأزهر.
وأضاف أستاذ الشريعة: "أن القرارات العشوائية لا يمكن أن تحارب الإرهاب ، فالأزهر أحد
المدارس الفكرية مثلة مثل غيره، لكنه لا يوجد عنده رؤية شرعية لمكافحة الانحراف
الفكري الموجود الآن، ففي ظل النظام السياسي الجديد لابد وضع في عين الاعتبار آليات واضحة تمثل أصل الدين تعالج أسباب انتشار الجماعات الإرهابية، وليس قرارات إغلاق فقط.
التأهيل
هو الحل
وأكد
الدكتور أحمد عيد أستاذ بكلية أصول الدين: "أن اختيار الدعاة في السابق منذ 10سنوات، كان يتم بطريقة التكليف، فكان كل خريج من جامعة الأزهر يكلف بالإمامة والدعوة بلا أي اختبار، وبالتالى ظهر للناس من هم دون المستوى العلمي والثقافي والأدبي، لكن
الفترة الحالية تغير الحال وأصبح يتم اختيار الدعاة والائمة من أوائل الكليات
الشرعية والفقهية عن طريق وزارة الأوقاف، فتعقد لهم الوزارة مجموعة من الاختبارات
والامتحانات لاختيار أكفأ المتقدمين.
وعن
تأهيل الدعاة طالب الدكتور محمد عيد بإقامة دورات تثقيفبة وتعليمية يشارك بها كبار
الآئمة وعلماء الأزهر؛ لبث روح التجديد وتحديث المادة التعليمية للآئمة الجدد،
فالدورات المتتابعة تعالج كل ما يحدث في المجتمع فتخصيص دورات تدريبية أمر مطلوب
وضروري لاحتواء الموقف وإعطاء المدرسين الجرعة العلمية الكافية. كما يجب مد الداعي بالمعلومات الصحيحة بدل أن يستند إلى القنوات المشوشة والإعلام المضلل، كما يجب أن
يتعلم الداعي التعامل مع وسائل التكنولوجيا المختلفة، فنحن لسنا دعاة مساجد فقط
هذة فطرة انتهت ، فتجديد الدعوة عن طريق التواصل مع المجتمع والتعايش معه.
منفصلين
عن الواقع
من
جانبة أوضح الدكتور أحمد خليفة أستاذ الفقة المقارن بكلية الشريعة والقانون: "أن
الطلاب الخريجين من كليات أصول الدين واللغة العربية تعلموا منهجا علميا شرعيا بلا
شك، لكن ما نحتاج إلية هو المعاصرة، فما يحدث الآن هو انفصال الدعاة عن واقع
المجتمع، فمن علم أصل الدين وجهل الواقع ضل بنفسه ومن معه، فلابد من الربط بين
صحيح الدين والمجتمع الذي نعيش فيه، والسبب الرئيسي في ضعف الدعاة هو اعتمادهم على أسلوب التأثير العاطفي على المستمعين، بحكايات وقصص لا أصل لها، دون التفرغ إلى ما
يشغل عقول الناس وإلى الحلول الشرعية لمشاكلهم.
وأضاف "خليفة"، أنه "يجب على الأزهر الإسراع بتطوير قطاع المعاهد الأزهرية ورفع كفاءة
المدرسين وجودة المعاهد نفسها، مشيرا إلى أن مؤسسة الأزهر تعاني من مشكلات قد
تعوقها عن أداء مثل هذه المهمة الكبيرة، وبينها ازدحام كليات جامعة الأزهر بأعداد
كبيرة من الطلاب ضعاف المستوى، مؤكدا "أن اختيار طلاب الكليات الشرعية عن طريق
المجموع في الثانوية وبدون إخضاعهم لاختبارات قدرات وعلوم شرعية أساسية، يجعل من
تلك الكليات مأوى للفاشلين في المرحلة الثانوية نظرا لتدني ترتيبها في التنسيق".
وحول
تقييم عمل الدعاة في المجتمع ونوعية خطبهم التي تنفصل عن الواقع أكد "الدكتور
خليفة ": "أن الدعاة يتبعون وزارة الأوقاف وليس بوسعهم تغيير موضوع الخطبة،
فهناك خطبة موحدة لا يمكن أن يغيروها خاصة بعد انتشار مفتشي وزارة الأوقاف، كما أن
كل المساجد أصبحت تابعة للوزارة فلا يمكن لأى خطيب أن يخالف موضوع الخطبة؛ لأنه
يعرف ما الذي يحدث بعد ذلك.
الدعاة
فئة مهمشة
وقال
الداعية السيد رشدي: "أن آخر ما نتحدث عنة هو الخطاب، فلن يتجدد الخطاب الديني ما
دام أصبح الخطاب على ألسنة الجماهير كافة، فالدين هو لغة القلوب، فليس بالكلام
ولكن بالأفعال وحسن اتباع القرآن الكريم وسنة النبي عليه أفضل السلام، وناشد
الأزهر ووزارة الأوقاف بضرورة الاعتناء بالآئمة والدعاة، بداية من تنسيق الكليات
الشرعية المؤهلة للعمل في الدعوة، فهو لا يقل شيئا عن الدكتور أو المهندس، فالداعي أو الخطيب يعالج الأمراض المتشفية في المجتمع.
وطالب
الدولة بتجديد النظرة لى الآئمة، فمن المؤسف أـن نجد الدعاة في مؤخرة المجتمع
والناس من الناحية الاجتماعية والمادية، ثم نسأل عن دور الدعاة، فالمسئولية على من
يرأس الدعاة، وأمل "رشدي" أن تكون الفترة المقبلة فترة تطوير لشئون الدعوة، والارتقاء
بمستواها بالاستعانة بقاعدة بيانات علمية، وإعداد آئمة متميزين علميا، وقادرين على
التعايش مع بيئة المساجد.