السودان تبيع مصر في أزمة سد النهضة.. تحالفت مع إثيوبيا بفضل "القلابات".. التبادل التجاري في البلدة الحدودية والكهرباء يدفعان الخرطوم لقراءة الفاتحة على العلاقات مع القاهرة
لم يُفكر أحد أن حل قضية سد النهضة الإثيوبي يكمن لدى السودان، الذي أقنع مصر طيلة 5 سنوات مضت، أنه يقف بجانبه ويدعمه في القضية، لأنها تمس أمنه القومي أيضًا وليس مصر فقط، غير أن الحقيقة التي أخفاها السودان طيلة هذه المدة وبدأت الآن فقط تضح معالمها أن الدولة الشقيقة كانت طوال هذه المدة تعقد صفقات تُجارية ضخمة مع إثيوبيا نظير تخليها عن دعم القضية.
"القضارف".. ولاية سودانية تتبعها العديد من البلدات والقرى الصغيرة، أهمها بلدة تسمى بـ"القلابات"، وهي محور الاهتمام والحديث، لأن هذه البلدة هي الأقرب إلى إثيوبيا جغرافيًا وفكريًا، ليس فقط كذلك ولكن أيضًا في عقائد سكان هذه البلدة المعلق في ذهنهم أن بلدتهم إثيوبية الأصل وليست سودانية.
نفق تجاري ضخم يربط البلدين
باختصار وقبل الخوض في التفاصيل، فإن إثيوبيا والسودان اتفقتا على تشييد نفق تُجاري من "القلابات" وحتى إثيوبيا، وأن هذه البلدة الصغيرة الحدودية ستُصبح في غضون سنوات قليلة أشهر بلدة تُجاربة ربما في القارة الأفريقية لما تتمتع به "ولاية القضارف" السودانية من إنتاج المعدن والثروة الحيوانية والزراعة، ولما تتمتع به إثيوبيا من القدرة على تسويق تلك المنتجات عالميًا.
الموقف السوداني خلال سنوات المفاوضات الفنية الأخيرة اتسم بـ "الغموض"، فتارة تنحاز السودان إلى مصر، وتارة أخرى تنحاز إلى إثيوبيا، لكن المعلن للجميع هو أن السودان تطمع في الكهرباء التي ستنتج عن سد النهضة، وهذا التحليل وإن أصابه جانب من الصواب، فإنه لم يكن الهدف الأوحد للسودان، فالهدف الحقيقي هو التجارة والربح والمال ولو كان ذلك على حساب أي شيء آخر.
علميًا.. "السودان" هي أكثر المتضررين من تشييد وبناء سد النهضة، لأنه في حال تشييد السّد وإقامته بالمعايير والسعة التخزينية الحالية، فإنه يمكن اعتبار السودان بلد "بلا زراعة"، لأن الماء الوافد إليها لن يكون كافيًا لاستخدامه في الزراعة وبالتالي تأثر جميع المجالات المرتبطة بالزراعة كالثروة الحيوانية، أما في حالة انهيار سد النهضة فإن "الخرطوم" ستختفي نهائيًا ومعها جميع الجزر حولها، أي أن السودان في كلا الأحوال هو الخاسر الأول.
ورغم ذلك، ورغم أن السودان يعلم جيدًا أن سد النهضة لن يكون في صالحه إلا أنه في سبيل الحفاظ على بلدة "القلابات" الحدودية وفي سبيل الحصول على الكهرباء بأسعار رمزية – كما وعدته إثيوبيا، باع القضية، ولم ينتبه إلى المعاهدة الإثيوبية الكينية التي تُشبه إلى حد كبير موقفه، قبل أن تنقض إثيوبيا الاتفاقيات مع كينيا وتتركها بلدا تعاني الفقر والصراعات الداخلية.
حكاية "القلابات" في سطور
جغرافيًا، تقع بلدة "القلابات" ضمن ولاية القضاريف السودانية وهي أقرب بلدة لإثيوبيا من ناحية الشمال، ويعود الفضل إلى تكوينها لقبائل سودانية كانت في طريقها لأداء الحج والعمرة، فنزلت بتلك المنطقة للاستراحة ووجدت أن هذه المنطقة مناسبة للمعيشة وتتوافر بها جميع متطلبات المعيشة فاستوطنتها، وكانت القلابات حينها تتبع إثيوبيا جغرافيا، وبعدما استوطنت القبائل البلدة عاشت فيها وحاربت القبائل الإثيوبية على الحدود ودحرتها.
حديثًا، عادت القبائل الإثيوبية من جديد لتُهاجم "القلابات"، مستغلة الضعف السوداني والانقسام الداخلي، واستطاعت بالفعل التوغل داخل "القلابات" مدعومة هذه المرة بالجيش الإثيوبي، وكان الهدف واضحًا وهو السيطرة على "القلابات"، لاستخدامها فيما بعد كورقة ضغط ناجحة على السوادن، وقد نجحت إثيوبيا في ذلك نجاحًا مذهلاً.
وخاضت إثيوبيا الحرب داخل القلابات عن طريق قبائل إثيوبية مدعومة بشكل غير علني من الجيش، حتى إنها استطاعت أن تجعل قبائل القلابات تدين بالولاء لإثيوبيا وتطلب هي نفسها من حكومة شمال السودان الانضمام لإثيوبيا.
تحجيم نفوذ السودان والانفراد بمصر
وجاءت قضية سد النهضة الإثيوبي على الطريق، ما دفع السودان إلي اتخاذ موقف فورى من القضية، التي لعبتها إثيوبيا باحترافية عالية، بعد أن حجمت السودان وجعلتها تبدو كـ "المذلول"، وهو أقرب تشبيه للموقف السوداني، الذى أقنعته إثيوبيا بسهولة أن السد سيكون مصدر رخاء وتنمية له، وأنها ستُسهل له الحصول علي الكهرباء بأسعار في متناول يديه "وهو البلد الفقير الذي مزقته حروب طائفية طويلة".
وفى حقيقة الأمر، أن السودان لم يكن أمامه سوى الانحياز لموقف إثيوبيا والتظاهر بلعب دور الوسيط بينها وبين مصر في قضية سد النهضة، فهي من ناحية تُعاني ضعفا وفقرا، ومن ناحية أخرى تخشى انفصال "القلابات" عنها، وخصوصًا أنها بلدة تُجارية تساهم بجزء كبير في اقتصادها القومي، إضافة إلى إغراءات إثيوبية عديدة بمساعدتها في إمدادها بالكهرباء وأيضًا في الزراعة باعتبار أن السد الإثيوبي يُنظم المياه ويساعدها على تقليل الفاقد.
السودان.. أين العقل؟!
تتخوف السودان من إثيوبيا في الوقت الذي لم تحسب فيه تبعات قرار دعم سد النهضة، وهو ما أكده خبير السدود بالأمم المتحدة، الدكتور أحمد الشناوي، لافتًا إلى خطورة القضية وخطورة تأثير ذلك على السوادن، خصوصًا أنه سيكون أول ضحايا إثيوبية.
وفي وقت يكون السودان قد خسر مصر، تنفرد إثيوبيا به لتصفي معه خلافات السنين، وتأخذ منه "القلابات" وربما بلدات أخرى، وفي هذا الوقت يكون السودان بمعزل عن الجميع بل وتتحكم إثيوبيا في مياه نهر النيل والكهرباء المتولدة من سد النهضة.
يُضيف الشناوي: "لا يخفى على أحد أن إسرائيل هي من تُدير سد النهضة حاليًا، وأن الشركات الإسرائيلية هي التي صممت شبكات الكهرباء المولدة من السد، ومعنى ذلك أن إسرائيل سيكون بمقدورها خلال شهور التحكم في مجرى نهر النيل بالكامل".
ضربة عسكرية فورية
الخبرة التي يمتلكها الشناوي طوال مدة عمله مستشارا بالامم المتحدة (30 عامًا)، جعلته يتوقع ما ستئول إليه الأمور فيما بعد، متوقعًا أن تفترس إثيوبيا السودان كأول ضحية قبل أن تتجه نحو مصر، مؤكدًا أن سد النهضة يعتبر أكبر كارثة تواجه مصر في تاريخها، أسوأ من الاحتلال البريطاني والفرنسي.
طالب خبير السدود في تصريح خاص لـ "العربية نيوز"، بتوجيه ضربة عسكرية للسد، على اعتبار أن هذا هو الحل الوحيد أمام مصر، بعد فشل المفاوضات الفنية والسياسية، قائلا: "من الأساس كان لا يجب أن تكون هناك مفاوضات"، متسائلا: "كيف نتفاوض علي حقنا في الحياه؟"
البنية التركيبية للسد
وفيما يخص البنية التركيبية للسد الإثيوبي، قال الخبير المائي، إنه سد ترابي وانهياره متوقع جدًا، خصوصًا إذا وضعنا في الحسبان أن منسوب المياه قد يرتفع في أي وقت ليعلو السد، فإذا ما ارتفع فإنه يأخذ فى طريقه السد الترابي الذى ينهار بضغط المياه، كما حدث مع "خط بارليف" في حرب أكتوبر.
وأوضح الشناوي، أن أول دولة ستكون في الطريق هى السودان قبل مصر، لأنها ستغرق بالكامل، فيما ستتعرض محافظات مصرية أيضًا للاختفاء، لافتًا إلى أن الكارثة الأكبر تكمن في ضعف الشركة التي تصمم السد وشهرتها العالمية السيئة التي تسبقها، وبالتالي فإن سد النهضة معرض للانهيار بنسبة كبيرة.
تحذيرات من كارثة
من جانبه، اعتبر الدكتور ضياء القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الري السابق، أن السودان يلعب دور "المجني عليه" في قضية هو طرف أساسي فيها، مشيرًا إلى أن موقفه طوال السنوات الماضية غامض، على الرغم من كونه شقيقًا لمصر في أوقات مضت.
وحذر الخبير المائي من آثار كارثية لسد النهضة الإثيوبي تطال السودان قبل مصر، مؤكدًا أن هذا السد العملاق يمثل الجحيم بعينه على البلدين لما قد يُجلبه من مخاطر تضر بالأمن المائي والقومي للبلدين "مصر والسودان".
تطرق القوصي في حديثه لـ"العربية نيوز" إلى علاقة السودان بإثيوبيا ووصفها بأنها "جيدة" نتيجة إغراءات قدمتها إثيوبيا للسودان، ومنها إمدادها بالكهرباء اللازمة بأسعار جيدة للغاية، وتسهيلات تُجارية ضخمه على اعتبار أن السودان يقع على الخط وهو الأقرب إلى إثيوبيا جغرافيًا.
وأضاف: "الرئيس السوداني عمرو البشير وعدد من المسئولين السودانيين أشاروا إلى رغبتهم في ضم "مثلث حلايب وشلاتين" ويزعمون أن هذا المثلث سوداني الأصل، وهي أزمة أثارتها إثيوبية للوقيعة بين البلدين اللذين تربطهما علاقات تاريخية".
وأيًا كانت الخيارات المتاحة أمام السودان فإنها لم تضع في اعتبارها أن سد النهضة "سلاح ذو حدين"، أحدهما قد يكون مفيد وقتيًا، والآخر يسبب كوارث مستقبلية، ويظل سؤالاً يُطرح دائمًا: "لماذا قبلت السودان أن تبيع مصر رغم أنهما في وقت من الأوقات كانتا دولة واحدة"، ورغم أن جميع الخبراء والجيولجيين حذروا السودان قبل مصر من آثار هذا السد المدمرة، إلا أن السودان "الشقيق" أصم أذنيه وفضل أن يخوض الحرب بجوار إثيوبيا ضد مصر.
تحجيم نفوذ السودان والانفراد بمصر
وجاءت قضية سد النهضة الإثيوبي على الطريق، ما دفع السودان إلي اتخاذ موقف فورى من القضية، التي لعبتها إثيوبيا باحترافية عالية، بعد أن حجمت السودان وجعلتها تبدو كـ "المذلول"، وهو أقرب تشبيه للموقف السوداني، الذى أقنعته إثيوبيا بسهولة أن السد سيكون مصدر رخاء وتنمية له، وأنها ستُسهل له الحصول علي الكهرباء بأسعار في متناول يديه "وهو البلد الفقير الذي مزقته حروب طائفية طويلة".
وفى حقيقة الأمر، أن السودان لم يكن أمامه سوى الانحياز لموقف إثيوبيا والتظاهر بلعب دور الوسيط بينها وبين مصر في قضية سد النهضة، فهي من ناحية تُعاني ضعفا وفقرا، ومن ناحية أخرى تخشى انفصال "القلابات" عنها، وخصوصًا أنها بلدة تُجارية تساهم بجزء كبير في اقتصادها القومي، إضافة إلى إغراءات إثيوبية عديدة بمساعدتها في إمدادها بالكهرباء وأيضًا في الزراعة باعتبار أن السد الإثيوبي يُنظم المياه ويساعدها على تقليل الفاقد.
السودان.. أين العقل؟!
تتخوف السودان من إثيوبيا في الوقت الذي لم تحسب فيه تبعات قرار دعم سد النهضة، وهو ما أكده خبير السدود بالأمم المتحدة، الدكتور أحمد الشناوي، لافتًا إلى خطورة القضية وخطورة تأثير ذلك على السوادن، خصوصًا أنه سيكون أول ضحايا إثيوبية.
وفي وقت يكون السودان قد خسر مصر، تنفرد إثيوبيا به لتصفي معه خلافات السنين، وتأخذ منه "القلابات" وربما بلدات أخرى، وفي هذا الوقت يكون السودان بمعزل عن الجميع بل وتتحكم إثيوبيا في مياه نهر النيل والكهرباء المتولدة من سد النهضة.
يُضيف الشناوي: "لا يخفى على أحد أن إسرائيل هي من تُدير سد النهضة حاليًا، وأن الشركات الإسرائيلية هي التي صممت شبكات الكهرباء المولدة من السد، ومعنى ذلك أن إسرائيل سيكون بمقدورها خلال شهور التحكم في مجرى نهر النيل بالكامل".
ضربة عسكرية فورية
الخبرة التي يمتلكها الشناوي طوال مدة عمله مستشارا بالامم المتحدة (30 عامًا)، جعلته يتوقع ما ستئول إليه الأمور فيما بعد، متوقعًا أن تفترس إثيوبيا السودان كأول ضحية قبل أن تتجه نحو مصر، مؤكدًا أن سد النهضة يعتبر أكبر كارثة تواجه مصر في تاريخها، أسوأ من الاحتلال البريطاني والفرنسي.
طالب خبير السدود في تصريح خاص لـ "العربية نيوز"، بتوجيه ضربة عسكرية للسد، على اعتبار أن هذا هو الحل الوحيد أمام مصر، بعد فشل المفاوضات الفنية والسياسية، قائلا: "من الأساس كان لا يجب أن تكون هناك مفاوضات"، متسائلا: "كيف نتفاوض علي حقنا في الحياه؟"
البنية التركيبية للسد
وفيما يخص البنية التركيبية للسد الإثيوبي، قال الخبير المائي، إنه سد ترابي وانهياره متوقع جدًا، خصوصًا إذا وضعنا في الحسبان أن منسوب المياه قد يرتفع في أي وقت ليعلو السد، فإذا ما ارتفع فإنه يأخذ فى طريقه السد الترابي الذى ينهار بضغط المياه، كما حدث مع "خط بارليف" في حرب أكتوبر.
وأوضح الشناوي، أن أول دولة ستكون في الطريق هى السودان قبل مصر، لأنها ستغرق بالكامل، فيما ستتعرض محافظات مصرية أيضًا للاختفاء، لافتًا إلى أن الكارثة الأكبر تكمن في ضعف الشركة التي تصمم السد وشهرتها العالمية السيئة التي تسبقها، وبالتالي فإن سد النهضة معرض للانهيار بنسبة كبيرة.
تحذيرات من كارثة
من جانبه، اعتبر الدكتور ضياء القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الري السابق، أن السودان يلعب دور "المجني عليه" في قضية هو طرف أساسي فيها، مشيرًا إلى أن موقفه طوال السنوات الماضية غامض، على الرغم من كونه شقيقًا لمصر في أوقات مضت.
وحذر الخبير المائي من آثار كارثية لسد النهضة الإثيوبي تطال السودان قبل مصر، مؤكدًا أن هذا السد العملاق يمثل الجحيم بعينه على البلدين لما قد يُجلبه من مخاطر تضر بالأمن المائي والقومي للبلدين "مصر والسودان".
تطرق القوصي في حديثه لـ"العربية نيوز" إلى علاقة السودان بإثيوبيا ووصفها بأنها "جيدة" نتيجة إغراءات قدمتها إثيوبيا للسودان، ومنها إمدادها بالكهرباء اللازمة بأسعار جيدة للغاية، وتسهيلات تُجارية ضخمه على اعتبار أن السودان يقع على الخط وهو الأقرب إلى إثيوبيا جغرافيًا.
وأضاف: "الرئيس السوداني عمرو البشير وعدد من المسئولين السودانيين أشاروا إلى رغبتهم في ضم "مثلث حلايب وشلاتين" ويزعمون أن هذا المثلث سوداني الأصل، وهي أزمة أثارتها إثيوبية للوقيعة بين البلدين اللذين تربطهما علاقات تاريخية".
وأيًا كانت الخيارات المتاحة أمام السودان فإنها لم تضع في اعتبارها أن سد النهضة "سلاح ذو حدين"، أحدهما قد يكون مفيد وقتيًا، والآخر يسبب كوارث مستقبلية، ويظل سؤالاً يُطرح دائمًا: "لماذا قبلت السودان أن تبيع مصر رغم أنهما في وقت من الأوقات كانتا دولة واحدة"، ورغم أن جميع الخبراء والجيولجيين حذروا السودان قبل مصر من آثار هذا السد المدمرة، إلا أن السودان "الشقيق" أصم أذنيه وفضل أن يخوض الحرب بجوار إثيوبيا ضد مصر.