صراع الفرس والعرب.. إيران تسعى لهز أركان النظام السني في الشرق الأوسط.. طهران تدعم القوى الشيعية بالمال والسلاح.. جهاز "السافاما" يدعم مؤيديه في البحرين والسودان واليمن
إن الأزمة السياسية التى تشهدها السعودية وإيران خلال الفترة الحالية، تعد حلقة في مسلسل تاريخ إيران المليء بالتدخلات السلبية والعدوانية في الشؤون العربية، وانتهاكًا صارخًا لكل الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية، فابرز مفردات التوجه الأستراتيجي والسياسي الإيراني يكمن في ضرب استقرار لدول الشرق الأوسط، من خلال إعلاء الانقسامات، واستغلال التوترات الطائفية، واللعب بنيران التطرّف الدينى والحركات الإرهابية، والسعى لهز أركان النظام السنى الذى يتكوّن منه غالبية المسلمين فى الشرق الأوسط، لحساب حركات معارضة شيعية تحظى بالمال والسلاح الإيرانى.
قال الدكتور أيمن الزينى أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة بنها، إن أهم اليات تحقيق طموحات إيران التوسعية فى المنطقة، يكمن في أشعال فتيل الانقسامات الطائفية في الدول العربية، فقادة الذين يعرفون كيف يصافحون العرب بيد، فى الوقت الذى تمتد فيه يد أخرى لتمويل وتهريب السلاح لكل من يجيد الطعن فى ظهور الدول الأخرى من حولها، والشغل الشاغل لطهران حالياً هو دفع وتوسيع طموحاتها فى الشرق الأوسط، حيث تنظر لنفسها على أنها أمة فارسية محاطة بالدول العربية المجاورة، تلك الدول التى ظلت تنظر على مدار الحقب الماضية بعين الشك للطموحات التوسّعية للثورة الإسلامية الإيرانية منذ اندلاعها فى السبعينات.
حيث قامت إيران في سبيل تحقيق طموحاتها التوسعية بدعم وتسليح حزب الله التابع لها فى لبنان، وكذلك إمداد وتسليح الجماعات المسلحة الفلسطينية، مما أدي لصيرورة طهران عالقة فى شباك الرفض والحصار العربى الذى لا يسمح لها بأن تتوسّع خارج حدودها.
وضربت اضطرابات الربيع العربي في عام 2011 أساس النظام السُّنى الذى كان حاكماً للشرق الأوسط من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، فى الوقت نفسه الذى بدا فيه شيعة العراق وكأنهم قد نجحوا بالفعل فى أن تكون لهم اليد العليا على كل الفئات والطوائف هناك.
ومثلت التغييرات الجذرية لاضطرابات الربيع العربي في نظر حراس الجمهورية الإسلامية فرصة نادرة لا يمكن تفويتها، لاستعراض قوتهم أمام العالم كله، من خلال بسط نفوذهم فى منطقة لا يحكمها غير الاضطرابات والتقلّبات والفترات الانتقالية التى لا يمكن لأحد أن يتوقع ما الذى يمكن أن يحدث فيها أو بعدها.
وأوضح أيمن الزينى انه لكى تنجح الدول العربية والمملكة العربية السعوديه فى وضع حد للطموحات التوسُّعية الإيرانية فى المنطقة، فعليها أن تعيد إصلاح وهيكلة علاقاتها مع شبكة حلفائها التى تداعت مؤخراً فى الشرق الأوسط، حيث أصبح منطقة تنقسم طوال الوقت على نفسها، وهناك الآن شبح حرب باردة جديدة يخيّم عليها، وهى حرب قائمة فى الأساس على الانقسامات الطائفية، لافتا إلى أنه من أهم أهداف إيران فى العراق دائماً، هو منعه من التحوّل إلى قوة ضاربة فى الخليج العربى، وبالتالى كان على الجمهورية الإسلامية أن تضمن أن يظل للشيعة فى العراق اليد العليا هناك، حتى لو أدى ذلك إلى اشتعال حرب أهلية أخرى هناك.
وإن كان أحد أكبر المحاذير الإيرانية هو تقسيم العراق إلى ثلاث دول تتصارع مع بعضها وتضع تهديداً إقليمياً لا يمكن السيطرة عليه على الحدود الإيرانية.
وبالتالى سعت إيران لمحاولة التوفيق بين مصالحها المتعارضة فى العراق من خلال اتباع سياسة متعارضة بدورها، تشجّع من خلالها إجراء الانتخابات فيه وفى الوقت نفسه، تمد الميليشيات الشيعية الموالية لها بالمال والسلاح، مهما كان حجم التخريب والفوضى الذى تتسبّب به فى قلب العراق.
والاستراتيجية التي اتتبعها إيران فى العراق، تتمثل أخص معالمها في دعم فصائل المعارضة الشيعية فى العالم العربى عموماً، مستلهمة من تجربتها الناجحة مع حزب الله فى لبنان فى أوائل الثمانينات.
وأردف أيمن الزيني أنه منذ أن تمت الإطاحة بصدام حسين فى العراق، انشغلت إيران بدعم القوى الشيعية هناك بالمال والسلاح والتأييد السياسى، وهى تضع فى اعتبارها دائماً احتمال انهيار العملية السياسية فى العراق فى أى لحظة، وبالتالى لا بد أن تضمن أن تكون الميليشيات الشيعية مسلحة بما يكفى، لحسم الأمور لصالحها وصالح إيران بقوة السلاح على الأرض، وبالتالي يجب علي الدول العربية أن تبذل مزيداً من الجهد للحد من التحرّكات الإيرانية فى الشرق الأوسط.
وإيران تؤمن تمامًا من عدم وجود أي احتمال لتدخل عسكرى عربي ضدها مهما بلغت استفزازاتها، على حين أنها تحسب حساباً كبيراً للتهديد الإسرائيلى واحتمال شن ضربة عسكرية ضدها من تل أبيب.
فقادة إيران يأخذون أى تهديد إسرائيلى ضدهم بكل جدية ، والحال ليس كذلك بالنسبة للتهديدات الهربية.
والرأى العام السنى ينظر إلى إيران باعتبارها دولة شيعية، على الرغم من أن إيران حاولت تقديم نفسها دائماً إليه على أنها قوة إسلامية تسعى لجمع الشيعة والسنة تحت لوائها، الا أنه ومع تزايد الاضطرابات فى المنطقة، وحدة الانقسامات الطائفية فيها، أصبحت إيران على رأس المعسكر الشيعى، على الرغم من أنها تظل دائماً مستعدة للتعامل مع الجماعات السنية المتطرفة لو تشاركت معها فى الأهداف.
ووقال الزيني: "إن إيران من جانبها، لا تريد تقديم نفسها كقوة شيعية فى المنطقة، لأن أغلبية المسلمين حول العالم هم من السنة، لذلك فهى تسعى لتقديم نفسها أمام الناس على أنها قوة إسلامية إقليمية، وتستخدم لعبة العداء ضد إسرائيل كجزء من رسم هذه الصورة".
اعتبرت إيران أن الطريقة الوحيدة التى يمكن أن توحد الفرقاء السنة والشيعة فى الشرق الأوسط حالياً هى العداء المشترك ضد إسرائيل، إلا أن إيران على ما يبدو، غير قادرة عن التحرك بعيداً عن المعسكر الشيعى الذى وجدت نفسها تنجرف إليه فى سوريا والعراق ولبنان والن في السعوديه وباقي الدول العربية، على الرغم من أن ذلك التقسيم قد لا يكون فى صالح إيران فى نهاية الأمر.
وبين عامى 2011 و2012، ذكر أعضاء من قوات الباسيج -وهى قوات شبه عسكرية تابعة للحرس الثورى الإيراني- ، بعد انتشارهم فى سوريا والعراق، إن أجندة إيران فى المنطقة تقوم على تكوين قوة من مليون مقاتل عبر المنطقة بأسرها، وهى عبارة كررها أعضاء "الباسيج" الإيرانيون أكثر من مرة، مؤكدين أنه من ضمن الأهداف الإيرانية نشر قوة من 200 ألف مقاتل على طول الطريق من إيران إلى لبنان، وعلى الرغم من وجود عوائق كثيرة يمكن أن تقف فى وجه هذا الطموح، فإن ذلك الهدف يظل حقيقياً قائماً بالنسبة لهم، بشكل يجعلهم يتحركون نحوه باستمرار.
فالإيرانيون لازالت لديهم أجندة طموحات تتضمن التوسع فى المنطقة وإقامة قواعدهم يمكن أن تنطلق منها عملياتهم فى المنطقة فى دول مثل السودان وإثيوبيا.
وتعتمد إيران فى محاولتها لبسط نفوذها خارج حدودها، على شبكة من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، يمكن أن يطلق عليها اسم "شبكة التحرك الإيرانية"، أعضاء هذه الشبكة يتولون مهمة التخطيط لزرع عناصر تنفيذ أجندة السياسة الخارجية الإيرانية بشكل خفى غير معلن، مستندين فى ذلك إلى الإرهاب، ومحاولات السيطرة والتحكم عبر الاقتصاد، وعمليات تهريب السلاح غير المشروعة، إضافة إلى التلاعب بالمخاوف والطموحات النووية، وتعتمد إيران أساساً على ثلاث منظمات لتنفيذ توسعاتها وسياساتها الخارجية. الأولى هى "فيلق القدس"، الذى يعد ضمن قوات النخبة فى الحرس الثورى الإيرانى، والمسئول عن التخطيط لحروب العصابات والتحركات العسكرية غير التقليدية التى تخدم الأهداف الإيرانية فى المنطقة، بما فيها استخدام واجهات ثقافية واقتصادية ومدنية لتغطية أنشطته فى الدول الأخرى، واستخدامها فى توجيه التمويل والدعم للجماعات المسلحة والحركات المعارضة الموالية لإيران وأجندتها على امتداد الشرق الأوسط .
أما الذراع الثانية فى خطة تحرك "طهران" فى الشرق الأوسط، هى المخابرات الإيرانية، وهى تلعب الدور الرئيسى فى جمع المعلومات التى تحتاجها إيران من دول المنطقة، ومسئولة عن رسم وتنفيذ برامج العمليات السرية فى الداخل والخارج، وهى تعمل عن كثب مع الميليشيات والجماعات المسلحة التى تخدم أهداف إيران فى المنطقة، أما المنظمة الثالثة التى تعتمد عليها الخطة الإيرانية حالياً، فهى حزب الله اللبنانى الذى ظل أقوى حليف لإيران منذ الثمانينات، خاصة أن دوره لم يعد مقتصراً كما كان على مواجهة إسرائيل، وإنما امتد فى السنوات الأخيرة، لكى يصبح عنصراً أساسياً فى الحرب على الخطوط الأمامية فى سوريا، إلى جانب خبراء فيلق القدس، ومن يقومون بتدريبهم فى قوات الجيش السورى التابع لبشار الأسد والتحركات الإيرانية لبسط نفوذها فى المنطقة قائمة أساساً على العمليات السرية، والتهرب من أى محاولة لفرض العقوبات عليها والإرهاب، إضافة إلى دعم وتدريب وتسليح الميليشيات الإسلامية فى طول المنطقة وعرضها.
وأكد الزيني أن طهران لازالت مصرة على فرض أجندة سياستها الخارجية التى تهدف إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة ، من خلال تسليح وتدريب عناصر حركة حماس فى غزة، وتمويل ودعم عمليات حزب الله السرية سواء على الخطوط الأمامية للقتال فى سوريا أو فى مخابئهم فى دول غرب أفريقيا، ونجحت إيران من خلال تدخلها العسكرى لدعم نظام الأسد فى سوريا، فى قلب الأوضاع، وإشعال الانقسامات الطائفية فى الشرق الأوسط كله، بشكل أدى إلى تدفق المقاتلين السنة من مختلف الجنسيات إلى سوريا والدول العربية المجاورة لها وفى العراق، كما كان دعم إيران لرئيس الوزراء الشيعى السابق "نورى المالكى" على الرغم من سياسته التى كانت تهدف لإقصاء السنة والأكراد من خريطة الحكم العراقية، وإصرار "طهران" بعده على أن يظل السياسيون الشيعة الموالون لها فى صدارة المشهد السياسى وعلى رأس الحكم فى العراق، سبباً فى زيادة الاضطرابات فيه، خاصة مع دعم إيران بالمال والسلاح للميليشيات الشيعية التى تعمل تحت لوائها مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، بحجة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية".
ولم يقتصر دور إيران فى زعزعة استقرار الشرق الأوسط على الدول المجاورة لها، وإنما امتد للبحرين، حيث استمرت فى دعم الجماعات المعارضة الشيعية التى تستهدف الإطاحة بنظام الحكم الملكى فى البحرين واستبداله بجمهورية إسلامية لا تختلف كثيراً عن مثيلتها فى طهران، وتكشف أجهزة الأمن البحرينية باستمرار أدلة على تورط إيران فى دعم الهجمات الإرهابية التى تتم داخل بلادها.
أما فى السعودية، فتواصل إيران دعم وإثارة الجماعات الشيعية فى المنطقة الشرقية من السعودية، بينما يدرك القادة السعوديون مدى تورط إيران فيما يحدث فى سوريا ولبنان وعلى الحدود السعودية فى اليمن.
وفى اليمن أيضاً، قامت إيران بإمداد المتمردين الحوثيين بالمال والسلاح وبالمعلومات الاستخباراتية.
ويمكن القول إن كلاً من اليمن والسودان أصبحتا مراكز إقليمية بالنسبة لإيران، أو قواعد تنطلق منها عمليات إنتاج الأسلحة وتوزيعها وتهريبها، وتلعب موانئ الدول الأفريقية دوراً مهماً فى خدمة أهداف إيران فى المنطقة.
وسيكون على الدول العربية بصفة عامة ودول الخليج بصفة خاصة أن تجهز نفسها لمواجهة زيادة فى العمليات السرية الإيرانية ضدها، سواء كان ذلك عبر تدريب الفصائل المحلية المناوئة للحكم فيها، أو عبر إمدادها بالمال والدعم والسلاح، خاصة فى البحرين والكويت والسعودية التى تملك إيران سجلاً حافلاً من دعم الحركات الشيعية فيها، كما أن حكومات دول الخليج سيكون عليها أن تواجه تهديداً إيرانياً متزايداً من ناحية أخرى هى ناحية نظم المعلومات، وعمليات الهجوم الإلكترونى على شبكاتها المعلوماتية.
فالقراصنة الإلكترونيين الذين تجندهم المخابرات الإيرانية يستهدفون نظم المعلومات التى تعتمد عليها الهيئات والأجهزة الحكومية والشركات الخاصة فى دول الخليج كنوع من الحرب الإلكترونية التى تعد لها نفسها من الآن.
ولاشك في أن دول الخليج محقة فى توجسها من التحركات الإيرانية، ومحاولات إيران استغلال قضايا التطرف الدينى، والضغوط السكانية، وغيرها من عوامل عدم الاستقرار التى تواجه دول المنطقة فى السنوات الأخيرة، والتى تسعى الحكومات الخليجية كل على حدة لمواجهتها والتعامل معها، كما أن خطورة تحركات إيران فى المنطقة، تكمن فى أنها نجحت بالفعل فى أن تقطع شوطاً طويلاً فى تكوين وبناء نظم عمل وأجهزة تعمل فى الخفاء والظل، بشكل يتيح للحكومة الإيرانية دعم الحركات الإسلامية والميليشيات الموالية لإيران من خلال واجهات ومنظمات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ومنظمات تجارة وأعمال.
ولذلك يجب على العرب جميعًا الوقوف صفًا واحدًا بجانب المملكة العربية السعوية، حيث إنه ليس من حق أي دولة التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى.