سينما الجزار وفنانو الجهل
أصبح الفن المصري في حالة من التخبط الغير مسبوق وما طار طائر وارتفع، إلا كما طار وقع، هكذا ينطبق المثل المصري القديم علي الأجواء الفنية، وما يحدث بداخلها من محاولات لبعض الوجوه الجديدة والتي تحاول الوصول دون تعب أو اكتساب للخبرة وأصبح كل من يقدم دور ثانٍ أو ثالث في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني مؤهل للعب الدور الأول، وقد يؤدي في النهاية إلى فشل كبير لنفسه ولمن سانده، وشوهد هذا في العديد من الأعمال التي أدت إلى إسفاف في المضمون والمعنى الذي يقدم تحت مسمى "عمل فني".
الفن ثقافة وفكر وإبداع وما يقدم اليوم يفتقد لهذا وذاك، فبعض الفنانين نجحوا في أداء شخصية الدور الثاني والثالث، وهناك من نجح وحافظ أن يكون بطلاً أول، وهناك من فشل، فليس عيبا أن يظل الفنان يقدم الدور الثاني أو الثالث لإنجاح العمل، ونرى ذلك يتمثل في الفنان إسماعيل ياسين، أسطورة الكوميدية المصرية، والذي لم يسعَ لأداء الدور الأول، فكل أعماله كان يلعب الدور الثاني أو يعتمد على البطولة الجماعية، بخلاف ما يحدث الآن فحين يؤهل الفنان لأداء الدور الأول، يصبح هو المسيطر علي العمل ولو طال الأمر أن يكون وحده في العمل ولا يتواجد معه أحد لفعلها.
فالعمل الفني ما هو إلا عمل جماعي يعتمد علي الورق والإخراج والفنانين، فإذا افتقد أحد هذه الأعمدة الثلاثة وقع العمل وأصبح هزيلاً.
فلاشك أن الفساد قد اجتاح الفن المصري وأصبحت "الشلالية" هي المسيطرة من يكون ومن لا يكون، ويرجع ذلك لغياب الدولة عن الإنتاج ونهب قطاعات الدولة من قبل الأنظمة السابقة حتى أفلست القطاعات الإنتاجية الحكومية، وهذا الأمر قد فتح المجال لدخول رجال الأعمال إلى هذه المهنة والسيطرة عليها وعلى ما يقدم الآن.
فالمنتج الخاص كل همه هو المكسب الكبير ولا يهمه ما سيقدم وهذا الأمر ساعد على تدمير تلك الصناعة وتشويه عقول أولادنا وساهم أيضًا بعض الفنانين الغير مؤهلين لأداء البطولة وقبلوا بأي أعمال يقدمونها حتى لو أساءت لهم قبل أن تسئ لجمهورهم فحين يصبح "عبده موتة" رمزًا من رموز الفن ويلقبونه بالأسطورة الفنية، فنحن في خطر وخوف حقيقي على أولادنا.
فالفن الرديء يفتقد الفكر والثقافة ولا يحتوي على شيء إلا تشويه وتدمير عقول الأجيال القادمة فنعم نحن في أسوأ الظروف الفنية.
علمًا بأن الفن هو مرآة المجتمع وهو أيضًا ثقافة الشعوب فإذا أرد أن تدمر شعبًا فعليك بتقديم فن غير لائق فكريًا ولا ثقافيًا وتشويه كل شيء لإنشاء أجيال ليس لها انتماء للوطن ولا تعرف سوى البلطجة والمخدرات لما يشاهدونه من أعمال فنية يتأثرون بها ويقلدون أبطالها.
فحين نترك الساحة لجزار يفتقد الفكر والرأي ويشتم ويسب علنًا في وسائل الإعلام فماذا نحن ننتظر أن يقدم لأولادنا فلابد من عودة الدولة وإنقاذ الفن المصري من أيد هؤلاء المدعين وألا ستحصدون التخلف والجهل وغياب الوعي وتدمير الأجيال القادمة.