أردوغان ومغامرته العسكرية ذات الهدف السياسي!
قد يستغرب البعض من إعلان تركيا شنها حربا على "الإرهاب" عن طريق الحملات الأمنية على مسلحي تنظيم داعش وأعضاء جبهة التحرير الشعبية الثورية الماركسية المحظورة ، والضربات الجوية التركية على معاقل منظمة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وأيضا – مؤخرا – داخل تركيا ، وتحديدا في جبال "جودي" في محافظة "شرناق" بجنوب شرقي البلاد.
ومع ذلك ، فعندما نعلم أنه من ضمن الـ 1300 شخص الذين تم القبض عليهم مؤخرا في حملات أمنية 130 منهم فقط من أعضاء الجبهة اليسارية المتطرفة وتنظيم داعش الإرهابي والباقي جميعهم من أعضاء منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية ، فقد نعتقد حينها أن هذه الحملة الأمنية – العسكرية لا تخلو من هدف سياسي ، وهو التوجه لانتخابات مبكرة واستعادة أصوات القوميين التي ذهبت للحزب الكردي بعد تشويه صورة الأكراد أمام الرأي العام التركي بما يساعد على عدم اجتياز الأكراد الحد النسبي 10% وبالتالي يمهد الطريق لحزب العدالة والتنمية للحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة بحزب منفرد كمان كان الحال خلال السنوات الماضية.
كانت الأيام الماضية تشهد شكوكا حول رغبة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في تشكيل حكومة ائتلافية ، وهو ما يفسر تأكيده في تصريحات صحفية على متن الطائرة التي أقلته إلى الصين بأنه يعارض تشكيل حكومة أقلية.
وأوضح أردوغان في تصريحاته أنه "لا يوجد ما يدعو لتشكيل حكومة أقلية تقود البلاد لانتخابات مبكرة"، ولكن هناك فارق كبير بين تصريحات أردوغان والمادة 116 من الدستور التركي التي تنص على ضرورة توجه البلاد لانتخابات مبكرة في حال عدم تشكيل حكومة ائتلافية خلال فترة 45 يوما من تاريخ تكليف رئيس الجمهورية الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية بمهام تشكيل حكومة ائتلافية.
والأهم من ذلك هو أن المادة 114 تنص أيضا على تشكيل حكومة أقلية تقود البلاد حتى موعد إجراء انتخابات مبكرة ، على أن توزع الحقائب الوزارية لتلك الحكومة وفقا لعدد المقاعد البرلمانية لأحزاب العدالة والتنمية ، والشعب الجمهوري ، والحركة القومية ، والشعوب الديمقراطية التي فازت في الانتخابات العامة الماضية.
يشار إلى أنه بحسب النتائج الرسمية للانتخابات العامة التي شهدتها البلاد في 7 يونيو الماضي، لم يتمكن أي حزب من تحقيق أغلبية لتشكيل الحكومة بمفرده، حيث فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 40.66% (258 مقعدا) من أصل 550 هي إجمالي عدد مقاعد البرلمان ، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 25.13% (132 مقعدا) ، وحزب الحركة القومية على 16.45% (80 مقعدا) ، وحزب الشعوب الديمقراطية الكردي على 12.96% (80 مقعدا).
هذه الصيغة التي اقترحها أردوغان تختلف تماما عن النص الدستوري المذكور، لأن هدفها هو استمرار حكومة العدالة والتنمية على مهامها الحالية وبدعم من أحد الأحزاب السياسية من خارج الائتلاف لتكون حكومة أقلية ، وهدف ذلك الواضح هو منع النواب الأكراد من تولي حقائب وزارية في حكومة الأقلية المحتملة.
وهذا التوجه قد التقطه صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي ، الذراع السياسي لمنظمة حزب العمال الكردستاني ، حيث قال أمس في تصريحات للصحفيين "ذنبنا الوحيد هو الحصول على 13% في الانتخابات البرلمانية ، وهذه النسبة هي ما جعلت رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس وزراءه أحمد داود أوغلو يوجهان انتقادات لاذعة ضدنا ، وهو أيضا ما يفسر رغبة أردوغان فى التوجه لانتخابات مبكرة وعدم رغبته في تشكيل حكومة ائتلافية".
وخلال اليومين الماضيين ، نشرت وكالة أنباء "جيهان"، الموالية لحركة "الخدمة" بزعامة الداعية الإسلامي فتح الله جولن ، المقيم بمنفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1998 ، تحليلا سياسيا لديفيد جاردنر محرر الشؤون الدولية بصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، حيث قال جاردنر إنه ليس هناك أحد باستثناء الحكومة التركية يصدق أن أنقرة قد غيرت نهجها نحو داعش بنسبة 180 درجة.
وأوضح جاردنر في مقاله أن سياسة تركيا تغيرت بصورة واضحة، ولكن الرئيس أردوغان تغير أيضا ، إذ بعدما حال الناخب التركي دون فوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية المطلقة في البرلمان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، كان يبدو أن أردوغان منذ البداية عازم على دعوة الشعب لانتخابات مبكرة ، بعد أن عجز الحزب عن الانفراد بالحكم ، ولذلك يسعى أردوغان لصيد أصوات القوميين وتشويه صورة مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطية الكردي ، الذي كان بمثابة الحصان الأسود في هذه الانتخابات المصيرية والصخرة التي تحطمت عليها أحلام أردوغان في تغيير نظام البلاد من البرلماني إلى الرئاسي.