عاجل
الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

القمة العربية اللاتينية تقوي العلاقات الثقافية.. السيسي يشارك لتعزيز الترابط.. و"الربيع العربي" يحظى باهتمام دول أمريكا الجنوبية

القمة العربية اللاتينية
القمة العربية اللاتينية

تشكل القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية التي بدأت مساء أمس "الثلاثاء" في العاصمة السعودية الرياض فرصة لإلقاء الضوء على أهمية البعد الثقافي في العلاقات العربية-الأمريكية الجنوبية.



مشاركة السيسي
وجاء حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ومشاركته في هذه القمة تعبيرا عن إدراك مصري لأهمية العلاقات العربية-الأمريكية الجنوبية والحرص على تنميتها وتعزيزها في شتى المجالات فيما يشكل المجال الثقافي ساحة هامة من ساحات التفاعل الرحب بين الجانبين.

وينطوي الحضور الثقافي المصري والعربي عموما في امريكا الجنوبية على اهمية كبيرة في وقت لم يعد ممكنا تجاهل منطقة أمريكا اللاتينية حيث توجد بالفعل مشتركات ثقافية وإنسانية عديدة بين الجانبين فضلا عن الضرورات السياسية واعتبارات المصلحة المشتركة.

ولم يبالغ الكاتب المصري الساخر الراح محمود السعدني عندما أبدى ندمه يوما ما لأنه على تعدد رحلاته حول العالم لم يزر امريكا الجنوبية او "بلاد الثورة والرقص والموسيقى" فيما تكاد "خفة الظل الأمريكية اللاتينية تضارع خفة الظل والدم المصرية" وتتجلى في كتابات مشاهير الثقافة بهذه المنطقة.

وعلى سبيل المثال فان جابرييل ماركيز تحدث في طرح بعنوان :"أنا الآخر" ضمن كتابه :"كيف تكتب الرواية ومقالات اخرى" عن صحفي اختلق او بلغة الصحافة "فبرك" تقريرا تحدث فيه باستفاضة عن محاضرة مزعومة ألقاها ماركيز في مدينة بالما بجزر الكناري ولم يكتف هذا "الصحفي المفبرك" بذلك بل قدم من نسج خياله موجزا للمحاضرة!

وفي دراسة عن روايات المهاجرين العرب في أمريكا الجنوبية يقول الباحث الكوبي ريجو بيرتو ارنانديث باريديس إن الحضور العربي في دول تلك المنطقة برز في اكثر من مظهر ووصل تأثير الثقافة العربية الى أراض كثيرة هناك.


هجرة العرب لأمريكا اللاتينية
وتوقف هذا الباحث الكوبي ليتأمل مليا التأثير الثقافي للهجرة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين الى أمريكا الجنوبية حيث هاجر عدد كبير من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين إلى نصف الكرة الأمريكي وهي الهجرة التي بدأت بسبب الممارسات القمعية للحكم التركي في المشرق العربي.

وإذا كانت هذه الهجرة العربية لأمريكا الجنوبية موضع دراسات في العلوم الاجتماعية والتاريخ والانثربولوجي فإنها كانت أيضًا موضع اهتمام روائي وأدبي على وجه العموم بل انها تجلت في حضور شخصيات تحمل أسماء وملامح عربية في بعض أعمال الروائي الكولومبي الراحل والحاصل على جائزة نوبل في الآداب جابرييل جارثيا ماركيز وكذلك الروائي البرازيلي الراحل جورجي امادو.

ويشير ريجوبيرتو ارنانديث باريديس في دراسته إلى أن الكاتب والباحث الشيلي سيرخيو ماثياس قدم دراسة مهمة حول صورة المهاجرين العرب في السرد الأمريكي الجنوبي واللاتيني لافتًا أيضا إلى أن هناك روائيين في أمريكا الجنوبية ينحدرون من أصلاب مهاجرين عرب مثل الكولومبي لويس فياض والشيلي والتر فريب.



تأثر العرب بالثقافة اللاتينية
هؤلاء الروائيون الذين انحدروا من أصول عربية تناولوا ابداعيا قصة الوجود العربي في امريكا الجنوبية كما فعل والتر فريب المنحدر من اصل فلسطيني في روايته "المسافر ذو البساط السحري" التي تأثرت بأجواء ألف ليلة وليلة وهي تحكي قصة "عزيز ماجدلاني" ذلك المهاجر الفلسطيني الى شيلي.

يحكي عن مهاجر للأرض البعيدة فرارا من الهيمنة العثمانية وحتى لا يضطر للانخراط في سلك الجندية بالجيش التركي الغازي لبلده وكذلك ستجد شخصية "جميلة" المنحدرة بدورها من اصل فلسطيني والراغبة في العيش "بعيدا عن شبح الحرب والهيمنة التركية".

وفي هذه الرواية التي تبدو متأثرة برواية "مائة عام من العزلة" لجارثيا ماركيز يستشعر القارئ بوضوح مؤثرات الثقافة العربية وأساطير الشرق فيما يحكي الجد عزيز للأحفاد عن "البساط السحري" الذي اكتشفه بمحض الصدفة في ركن ببيته الحجري كما يحضر المطبخ العربي ومأكولات الشرق مثل "محشي الباذنجان والممبار"!

وتستعيد رواية " المسافر ذو البساط السحري" حقيقة أن أغلب المهاجرين العرب لأمريكا الجنوبية بدأوا أنشطتهم هناك كباعة متجولين وخاضوا مغامرات تجارية حققت لبعضهم ثراء كبيرا فيما تنطوي الرواية على إشارات دالة بشأن قضايا الهوية والاندماج في الأرض الجديدة التي هاجر لها هؤلاء العرب.

ويتجلى الحرص في الحفاظ على الهوية والتمسك بالجذور العربية في الزواج وتراث المطبخ وأساليب الطهي وكلها سمات تتجلى أيضًا في رواية "سقوط الجهات الأصلية" للويس فياض المنحدر من اصل لبناني فيما تلقي روايته بأضواء على جذور الوجود العربي في كولومبيا والموجات الأولى من المهاجرين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين لهذا البلد الأمريكي الجنوبي.


المهاجرون العرب الأوائل
إنها رواية كتبها لويس فياض مدفوعا بقصة عائلته وحكايات المهاجرين الأوائل من اللبنانيين لكولومبيا في مطلع القرن العشرين و"الشفرة الثقافية" لهؤلاء القادمين من ارض عربية وحنينهم لجذورهم ومحاولات "إقصاء الأشواق" حتى يتسنى لهم بدء الحياة في الأرض الجديدة والتعايش ثم الاندماج مع سكانها.

وحتى في السرد المكسيكي ثمة إنتاج روائي مهم لكتاب من أصول عربية مثل رواية "في الصيف والأرض" لكارلوس مارتينيز حيث البحث عن الأصول من جانب حفيد مهاجر لبناني للمكسيك و"تلبية الحاجة لمعرفة الذات من خلال التعرف على الأصول وحياة الأجداد والوطن الذي غادروه مكانيا دون أن يغادرهم أو يهجر أرواحهم في أوطانهم الجديدة!


مشاركة مصرية
ومنذ أكثر من عامين كانت "فرقة العريش للفنون الشعبية" في مصر قد شاركت في مهرجان الأكوادور الفني-الثقافي وهي فرقة اشتهرت بتقديم عروضها بلغة العين بينما كان للثقافة المصرية عبر تجلياتها الابداعية الفنية ما بين السينما والفلكلور والفن التشكيلي ان تتحدث بلغة العين وبلغة القلب في تفاعل وجداني مع سكان هذه المنطقة الثرية ثقافيا على مدى 16 يومًا.

وحينئذ حظت هذه العروض الفنية المصرية لفرقة العريش للفنون الشعبية بترحيب شعبي انعكس في وسائل الإعلام التي أبدت حفاوة في الحديث عن هذه الفرقة باعتبارها الفرقة العربية الوحيدة بين الفرق المشاركة في المهرجان وهي فرق امريكية لاتينية من الأكوادور والأرجنتين والمكسيك وبيرو وجواتيمالا.

وتحظى البرازيل باهتمام واضح في التحليلات الثقافية-السياسية المصرية باعتبار ان هذه الدولة تمثل الثقافة الأمريكية الجنوبية في مجموعة "البريكس التي تضم الى جانبها روسيا والصين وجنوب أفريفيا والهند كتجمع للقوى الصاعدة والدول الأسرع نموا اقتصاديا في العالم.

وتنهض رموز ثقافية-سياسية أمريكية لاتينية بدور كبير في "المنتدى الاجتماعي العالمي" الذي ظهر لحيز الوجود عام 2001 في مدينة بورتو اليغري البرازيلية ليعبر عما يسمى "بالعولمة البديلة" كحركة مضادة للعولمة التي تقودها الرأسمالية المتوحشة.

ومن الكتب الدالة والطريفة في هذا السياق المناهض للعولمة بوجهها الرأسمالي المتوحش كتاب "مواطنو بورتو اليغري" وفيه يتحدث المؤلف جيانباولو بياوتشي عن شخص يقترض ثمن تذكرة الحافلة ليدخل عالم السياسة.


اهتمام لاتيني بقضية الديمقراطية
وكما هو الحال في مصر تحظى قضية الديمقراطية باهتمام بالغ في الثقافة الأمريكية اللاتينية وخاصة في الدول التي تواجه تركة من الاستبداد لأنظمة استبدادية سابقة فيما يعبر عن هذا الاهتمام الجياش العديد من الكتب والإصدارات الجديدة مثل كتاب "امل البرازيل" وفيه يسعى المؤلف ليوناردو افريتزير للإجابة عن السؤال الكبير:"هل تمكن الرئيس لولا دا سيلفا من فك اسر الديمقراطية في أمريكا اللاتينية"؟

أما كتاب "مؤتمر الشعب" ففيه يتناول ليوناردو افريتزر التجربة البرازيلية فيما يسمى "بالديمقراطية المباشرة" وهناك أيضا كتاب "مواطنون فلاسفة" الذي يتحدث فيه المؤلف كارلوس فرانكيل عن تعليم أصول العدالة في البرازيل وكتاب "حرب بلا نهاية" لسام فيرجسون عن الجهود المبذولة في الأرجنتين لتحقيق العدل فيما يستعرض مارك هايفيل في كتاب "مكان للذاكرة" حملة الأرجنتين على الماضي الاستبدادي.

وإذا كان كتاب "الوفاء بالوعد" قد تناول فيه المؤلف روبيرتو جارجاريلا الإشكاليات الحقوقية في الواقع الأمريكي اللاتيني فإن دولة مثل المكسيك تواجه تحديات سكانية مثل ما تعاني منه مصر وهو ما يتجلى في كتاب "الإقلاع" بيدرو سالازار اوجارتي حيث يعالج التحديات الديموجرافية في هذا البلد المحادد للولايات المتحدة.

وفيما عبرت ظاهرة الحزن الشعبي العربي على رحيل الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز الذي قضى في الخامس من مارس عام 2013 -حتى تحدث البعض عن "تشافيز العربي"-عن مشتركات انسانية وتفاعل وجداني رغم تنائي المسافات فان أمريكا اللاتينية تتميز بظاهرة "الرئيس المثقف" بل و"الرئيس الأديب" مثل الكاتب خوان بوش أول رئيس ينتخب ديمقراطيا لجمهورية الدومينيكان في نهاية عام 1962.

فالرئيس الراحل خوان بوش كان من كتاب القصة القصيرة وتمتلك قصصه حسا إنسانيا عاليا ومعرفة عميقة بالطبيعة البشرية كما تنسحب الظاهرة على العديد من الساسة في تلك المنطقة مثل ماريو بارجاس ليوسا الذي فاز بجائزة نوبل في الآداب عام 2010 فيما كان قد رشح نفسه لرئاسة بيرو عام 1990 غير أنه خسر معركته الانتخابية حينئذ أمام البيرتو فوجيموري.

والأدب الأمريكي اللاتيني نابع في اغلبه من خيال مطلق السراح كما يتجلى في إبداعات الروائي الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس والقاص المكسيكي خوان رولفو ناهيك عن صاحب نوبل الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز.

ولا يجوز في هذا السياق تناسي ان الثقافة الإسبانية الطاغية في أمريكا الجنوبية قد تأثرت تاريخيا وبشدة بالثقافة العربية خاصة في الحقبة الأندلسية ناهيك عن دور المهاجرين العرب وخاصة السوريين واللبنانيين والفلسطينيين الذين وصلوا بثقافتهم لتلك المنطقة وباتوا جزءا من ذاكرتها الثقافية.

ويبدو ان الوقت قد حان للقاء الموعود في القرن الواحد والعشرين بين الثقافة المصرية-العربية وثقافة امريكا الجنوبية.. لقاء تفاعلي بالعين والقلب والعقل.. لقاء لصالح العرب والأمريكيين الجنوبيين ولصالح الانسانية كلها.