عاجل
الخميس 28 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

إجابة صادمة.. هل إدمان الجنس موجود بالفعل؟

صوره أرشيفية
صوره أرشيفية

أدرجت منظمة الصحة العالمية مؤخرا ما يعرف بـ "اضطراب السلوك الجنسي القهري" أو (الرغبة المفرطة في ممارسة الجنس) على قائمة الاضطرابات المعترف بها.

لا تعترف هيئة التأمين الصحي البريطانية بإدمان الجنس كمرض، ولا تقدم إحصاءات رسمية بشأنه.

تشير صفحة الإدمان على الموقع الإلكتروني لهيئة التأمين الصحية البريطانية إلى أن معظم حالات الإدمان تكون ذات صلة في الغالب بألعاب المقامرة والمخدرات وشرب الكحول والنيكوتين، وتضيف:"إدمان شيء يعني أن عدم الحصول عليه يفضي إلى ظهور أعراض الانسحاب".

تزعم العيادات الخاصة في بريطانيا أن مئات الأشخاص، إن لم يكن الآلاف، يترددون عليها سنويا بغية الحصول المساعدة.

جانب من أسباب ذلك يرجع إلى أن المرأة على الأرجح أكثر ميلا للشعور بالإهانة وتكتم الحديث عنها. ومهما كان التفسير، يعد بول نموذجا لأولئك الساعين إلى المساعدة في هذه الحالة، فهو رجل وكان يحصل على إثارته من خلال ممارسة الجنس بدلا من مشاهدة المواد الإباحية.

قال بول، وهو رجل في الخمسينيات من عمره طويل القامة ومهندم، إن إدمانه بدأ قبل ثلاثين عاما وهو في الجامعة. كانت تربطه علاقة عاطفية مع صديقته، لكنه اكتشف في أحد الأيام أن ذلك لا يكفيه على ما يبدو.

وأضاف:"كنت أحبها، كنت أحبها بالفعل لكن لسبب ما كنت أذهب للبحث عن عاهرة. كنت أصمم على إجراء مقابلات جنسية مثيرة، وكنت أعرف أنه شيء لا ينبغي فعله. كان الشعور مختلفا".

وفي غضون أسابيع، تغير سلوكه تماما، مضيفا: "كنت على علاقة بست فتيات في آن واحد، وكنت أقابل أسبوعيا اثنتين أو ثلاث من بائعات الهوى. كان الأمر أشبه بطلب بيتزا لأني جائع. كنت أرغب في شيء ما، أطلبه، وأنساه".

ويقول إنه عندما بدأ يفكر فيما إذا كان يستطيع أن يأتمن شخصا ما على سره أم لا، أو حتى الحصول على مساعدة، حصل على أول وظيفه له في لندن، ووجد نفسه في بيئة تشجع هذا السلوك.

وقال: "كانت الحياة لا تصدق، سفر حول العالم على متن طائرة كونكورد، وكسب الكثير من الأموال، والتردد على نوادي التعري في لندن، والخروج مع أناس تعمل معهم من أجل الحصول على إثارة جنسية. (اعتقدت) في هذه الفترة أنه ربما لا توجد مشكلة بالنسبة لي، ربما أنا رجل طبيعي".

كان بول يرتاد مع زملائه نوادي التعري، وكان ينفق كل منهم حوالي ألف جنيه استرليني في الليلة، يوم الثلاثاء، وربما كانوا يكررون ذلك يوم الخميس. لكن بول كان الوحيد الذي يفعل ذلك أيضا يوم السبت.

ويقول بول، مثل نيلا، إنه بدأ "يبحث عن المزيد"، وعلى الرغم من أن ميوله الجنسية كانت طبيعية، إلا أنه بدأ يمارس الجنس مع رجال أيضا ولمدة عشر سنوات.

وأضاف:"تحول اهتمامي كليا من النساء إلى الرجال. وكانت كل رغباتي الجسدية تتحرك مع الرجال. أقول بصراحة لست مثلي الجنس، كنت أبحث في الحقيقة عن نشوة أكبر فقط، وطوال هذه الفترة كان عندي صديقات لطيفات جدا".

وقال بول إن سلوكه كان قسريا، كما قالت نيلا، وعندما كان لا يستطع ممارسة الجنس، كان يتلهف إلى ممارسته. ولم يكن الهدف هو بلوغ ذروة النشوة الجنسية، بل الاستمتاع بمجموعة السلوكيات المحيطة بهذه النشوة هي التي أدمن ممارستها. وكان يعمد إلى مد الفترة الزمنية للتجربة لساعات، مثل حالة نيلا.

وقال:"تكمن الإثارة في تطور الممارسة فضلا عن توقع ما ستفعله، ويكون آخر ما ترغب فيه هو مرحلة القذف، لأنها اللحظة التي تنتهي بعدها العملية بالكامل".

استغرق الوقت من بول فترة طويلة لإدمان المواد الإباحية، بعد أن اكتشفه أول مرة وهو في سن الثانية عشرة.

وقال:"عثرت بالصدفة على بعض المجلات الإباحية في منزل أسرتي. وجدتها مخبأة في يوم كان والداي خارج المنزل. كانت مرحلة مبكرة على نحو معقول للإطلاع على مواد إباحية. وبصراحة لا أتذكر إن كنت شعرت بمتعة جنسية في ذلك الوقت."

وتغير الوضع مع وجود خدمة الإنترنت الفائق السرعة، فتحول تركيزه إلى الاطلاع على مواد إباحية على الإنترنت ومشاهدة هذه المحتويات لساعات.

حصل بول على دعم طويل الأجل من مركز "لوريل"، وهو يعتقد الآن أنه يتعافي جيدا، كما توقف منذ سنوات من التعامل مع بائعات الهوى وتوقف عن مشاهدة الأفلام الإباحية منذ أشهر.

أصبح هدفه هو الاستقرار في علاقة تربطه بامرأة.

وقال: “لم أستمتع بعلاقة جنسية على الإطلاق مع شخص أحبه واهتم به. هذا هو الشيء الذي افتقدته طوال 30 عاما".

اعترفت منظمة الصحة العالمية رسميا في يونيوحزيران الماضي بما أسمته "اضطراب السلوك الجنسي القهري" (الرغبة المفرطة في ممارسة الجنس) ضمن تصنيفاتها الدولية للأمراض.

ويقول المعالجون الذين قابلتهم إنه على الرغم من أن ذلك لا يرقى إلى تصنيف الحالة كإدمان، فقد يشجع الحكومة البريطانية على توفير خدمات استشارة ضمن خدمات هيئة التأمين الصحي البريطانية.

كما تحدثت خلال الأسابيع الماضية مع كثير ممن يعتقدون أنهم يعانون من إدمان الجنس، وأصبحت لا أهتم بما إذا كانت الحالة يطلق عليها إدمان أم لا، لأن جميعهم يحتاجون كما هو واضح إلى حل مشكلة تدمر حياتهم.

عندما تعلق الأمر بمسألة واينستين والشك في أن يكون إجراء فحص في عيادة إدمان الجنس قد يشير إلى مساعي التنصل من المسؤولية عن سلوكه، وجدت أن كل من تحدثت معهم يعرفون الفرق بين ممارسة الجنس بالتراضي والاغتصاب حتى في ذروة السلوك القسري الذي يعانون منه.

وعلى حد علمي لم يرتكب أي منهم جريمة، وأعتقد أن مدمني الجنس يضرون أنفسهم وشركاءهم في الأساس، كما يسيء مرتكبو الاعتداءات الجنسية إلى ضحاياهم ويحاولون إخفاء فعلتهم.

هل "إدمان الجنس" مرض حقيقي؟

مع أننا قد نقبل فكرة إدمان بعض الأشياء، مثل النيكوتين أو الكحول، وما ينتج عنها من أضرار، لا يزال ثمة جدل بين الخبراء عندما يتعلق الأمر بالجنس، وما إذا كان إدمانه أمر حقيقي أم مجرد خرافة.

وحتى الآن، لم يتم تصنيف إدمان الجنس على أنه حالة مرضية، ولذا لا تتوافر إحصائيات بعدد من طلبوا المساعدة للتخلص من المخاوف ذات الصلة بهذه الظاهرة.

وأجرى موقع إلكتروني يقدم العون للتخلص من إدمان الجنس ومشاهدة المواد الإباحية في بريطانيا، مسحا شارك فيه 21 ألف شخصا ممن زاروا الموقع طلبا للمساعدة منذ 2013.

ووجد المسح أن نسبة الرجال بينهم تصل إلى 91 في المئة، وأن 10 في المئة منهم فقط طلبوا المساعدة من أطباء.

وجرت دراسة إدراج "إدمان الجنس" عام 2013 في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، المعترف به في الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن رُفض ذلك لعدم توافر الأدلة.

لكن، ثمة مقترح بإدراج "السلوك الجنسي القهري" بين الاضطرابات التي يتضمنها دليل التصنيف الدولي للأمراض الذي يصدر عن منظمة الصحة العالمية.

وكانت المقامرة تعتبر سلوكا قهريا، لكن الجهات البحثية الطبية اعترفت بهذا النشاط كنوع من أنواع الإدمان في 2013 بعد ظهور أدلة جديدة.

ويتوقع بعض المتخصصين أن "إدمان" الجنس قد يتخذ نفس المسار إلى الاعتراف بأنه نوع من الإدمان.

وأشارت دراسة أُجريت في 2014 إلى أن نشاط الدماغ عندما يشاهد "مدمنو الجنس" المواد الإباحية يشبه ما يحدث مع مدمني المخدرات. وقالت فاليري فون، التي أشرفت على الفريق البحثي المعد للدراسة، لبي بي سي في ذلك الوقت: "هذه المرة الأولى التي نقابل فيها من يعانون من هذه الاضطرابات، ونفحص نشاط المخ لديهم، لكن ليس لدينا ما يكفي من الأدلة لوصفها بالإدمان بشكل واضح".

يصعب إثبات أن إدمان الجنس مرض حقيقي لوجود الكثير من الحالات الناتجة عن اضطرابات نفسية ومزاجية

ويعتمد تصنيف إدمان الجنس أو مشاهدة المواد الإباحية رسميا كنوع من أنواع الإدمان إلى حد كبير على إدراكنا للعوامل التي تسبب إدمان شيء ما.

فإذا كان الإدمان يعني الاعتماد على شيء ما نفسيا، وأن الابتعاد عنه قد يسبب ضررا ماديا، ففي هذه الحالة "لا يمكن اعتبار الجنس إدمانا"، وفقا لفريدريك توتيس، الأستاذ الفخري في الجامعة المفتوحة في بريطانيا.

لكن توتيس يعتقد أن وجود تعريف أوسع للإدمان قد يكون أكثر فائدة.

"السعي إلى المتعة"

قال توتيس إن هناك اثنتين من الخصائص التي يمكن من خلالها اكتشاف الإدمان: السعي لتحصيل متعة ووجود صراع يعانيه الشخص بسبب سلوك معين.

ويفرق الكثير من الخبراء بين الإدمان والسلوك القهري رغم وجود أوجه شبه قوية بينهما.

وأوضح توتيس أن المدمنين غالبا ما يركزون على المتعة قصيرة الأجل متحملين مسؤولية ما قد يترتب عليها من خسائر طويلة الأجل. لكن على الجانب الآخر هناك مَن يعانون من السلوك القهري، والذين غالبا ما يقدمون على سلوك خال من المتعة قد يلحقهم بهم أضرارا.

لكن الجميع يسعى من أجل المتعة، فما هو الفرق إذن بين السعي وراء السلوك الذي نمارسه لتحصيل المتعة باستمرار والإدمان؟

في محاولة للإجابة على هذا السؤال، ترى الطبيبة النفسية هارييت غارود أن السلوك قد تحول إلى إدمان عندما يصل إلى مستوى معين من الحدة، ويبدأ في إحداث أضرار لمن يمارسه والمحيطين به.

وأضافت أن إدمان الطعام بشراهة والمقامرة تعتبر رسميا من حالات الإدمان القابلة للتشخيص، لكن ذلك لم يحدث مع إدمان الجنس.

وترى الطبية النفسية أبيغال سان أن السلوك الجنسي قد يمثل إدمانا، لكن بالنسبة لمن يعانون من الشعور بعدم القدرة على التحكم في أنفسهم يعتبر الجنس من الأعراض الثانوية التي تعكس وجود مشكلات نفسية أكبر. وتعتقد أن الاكتئاب والقلق أو الصدمات من المشكلات التي قد تدفع البعض إلى اللجوء إلى الجنس كآلية للتكيف مع معاناة نفسية ما.

في نفس الوقت، ترى سان أن تصنيف الاضطرابات في السلوك الجنسي كنوع من الإدمان لن يفيد بالضرورة من يعانون منها، خاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يعتمدون على الجنس للتكيف، إذ من الممكن أن يؤدي ذلك إلى اعتبار حالاتهم من الأمراض التي يمكن التعايش معها دون ظهور أعراض أو خطر على الحياة.

"خرافة" إدمان الجنس

لا يرى الكثيرون أن إدمان الجنس من الحالات المرضية الحقيقية.

ويعتقد دايفيد لاي، مؤلف كتاب "خرافة إدمان الجنس"، أن السلوك الذي يصفه البعض بإدمان الجنس غالبا ما ينتج عن مشكلات مزاجية لم تعالج مثل القلق، وهو ما يصعب الوصول إلى دليل على وجود هذه الاضطرابات حتى يتسنى للمتخصصين التركيز على علاجها.

وأضاف أن النظر إلى "الجنس والعادة السرية على أنها تتساوى مع إدمان المخدرات والكحول يبدو مثيرا للضحك، فمدمني الكحول قد يلقون حتفهم في بعض الأحيان عند الإقلاع عن تناوله".

وربط أيضا بين مفهوم إدمان الجنس والقيم التي تحكم كون العلاقة الجنسية صحية أم لا.

وتابع: "تكون مدمنا للجنس عندما تمارس الجنس أكثر أو بطريقة مختلفة مقارنة المعالج الذي يقوم بتشخيص حالتك".

وفي ورقة علمية بشأن إدراج السلوك الجنسي القهري في التصنيف الدولي للأمراض، حرص مجموعة من الباحثين، ومن بينهم فاليري فون، على تفادي الوقوع في هذا الشرك.

وقالت الورقة البحثية إن التشخيص ينبغي ألا يستخدم "لوصف مستويات مرتفعة من الاهتمام بالجنس والسلوك الجنسي"، أو على أساس "الضغوط النفسية ذات الصلة بالحكم الأخلاقي أو رفض الدوافع الجنسية القوية لمن يعانون من هذه الحالة".

لكن هناك اهتماما مشتركا بين من يرون بضرورة إدراج إدمان الجنس في قائمة أنماط الإدمان المرضي ومن يعارضون ذلك، وهو ضرورة اكتشاف من يعانون من الضغوط النفسية ومساعدتهم. كما يؤكد هذا الاهتمام المشترك على التفريق بين السلوك الإدماني للجنس، الذي يعتبر مشكلة في حد ذاته، والانماط الأخرى من هذا السلوك التي تعتبر أعراضا لمشكلات أكبر.