رعاية الموهوبين
لا يختلف اثنان أن رعاية الموهوبين مسؤولية قومية كبرى، وقد لا يجادل من وهب بصيرة أن مدى التطور والتقدم الذى يمكن أن تعانقه أى أمة مرهون وبدرجة كبيرة بعقول فذة لأفراد أعدادهم قليلة نسبيا فى مجتمعاتهم، وليس أدل على ذلك من أمثلة "سقراط، ابن تيمية، ابن سينا، جابر بن حيان، أديسون، أينشتاين"، وغيرهم نماذج تتراقص فى مخيلة كثيرين عند الحديث عن فئة الموهوبين، فهم بحق صور متنوعة لمواهب خالدة، أثرت حضارة الإنسان، وأورثت علماً لا يزال العالم بأسره يستقى من معينه على اختلاف مشاربهم وقيمة إسهاماتهم، ومازالوا نجوماً ساطعة يستدل بعلومهم، ويؤثرون فى مجتمعات وعصور متعاقبة رغم غيابهم.
ولعل السر وراء استمرار وجود تلك الأسماء لامعة فى سماء الإنسانية حتى وقتنا الحالى إنهم كانوا يتمتعون بمواهب فذة بلا شك، ولا مراء فى ذلك أبداً، إلا أنها ليست من الفئة القليلة التى يجب أن يبحث عنها أى مجتمع ويرعاها، وإنما هى من نوادر المجتمعات الإنسانية وفلتات الأزمنة والعصور المتتالية، وهى أقل فئات الموهوبين حاجة إلى اكتشاف ورعاية، إذ لها القدرة على أن تضىء بمولدات داخلية، وأن تجد طريقها إلى القمم على مستوى مجتمعاتها فى معظم الأحايين بيسر وسهولة، والأهم من ذلك كله أن نسبة ظهور من يمتلك أمثال استعداداتهم العقلية والشخصية فى المجتمعات الإنسانية نسبة محدودة قد لا تتجاوز فى بعض التقديرات واحد من مليون.
وأمام هذا التحدى فى اكتشاف تلك المواهب التى تمثل جواهر نادرة فى ربوع المحروسة انطلق مؤخرا كيانٌ مصرى اسمه"F5" أسسه د. طارق عرابى مع مجموعة من أصدقائه من القامات العلمية والأخلاقية الذين يؤمنون بمواهب ونوابغ ومبدعى هذا الوطن على امتداده، ويوقنون أن رعايتهم وتدريبهم وتوفير فرص العمل لهم والعطاء لمجتمعاتهم قبل أن يكون عملاً تجارياً، هو واجبٌ وطني، لأجل استعادة الأمل فى نفوس كثير من الموهوبين من مختلف أقاليم مصر، ودفعهم للأمام وإخراج أفضل ما لديهم من أجل المساهمة الإيجابية فى بناء وطن يصلحُ للأحفاد ويفخر به كل مصرى داخل وخارج مصر.
وبمجرد أن طرح الدكتور طارق عرابى رؤية"F5" وخطتها الاستراتيجية المتكاملة لاكتشاف وتدريب وتشغيل المواهب والمتميزين فى شتى المجالات على بعضٍ من "المؤمنون" - هكذا يسميهم - بقدراتهم المتميزة من أصدقائه المقربين فى مجال الفن والإعلام والرياضة، وكذلك المحترفين فى مجال تكنولوجيا المعلومات وبث القنوات والمحطات الإذاعية على شبكة الإنترنت، رحبوا جميعاً وأشادوا بجدوى الفكرة والخطة، وأبدوا جميعاً رغبة صادقة لانضمامهم ومشاركتهم الفعالة فى تأسيس وتشغيل هذا الكيان الذى لايهدف إلى الربح المادى بقدر مايسعى جاهدا نحو تحقيق الأهداف التى تصبُ فى مصلحة الوطن والمواطن.
ولقد أصبح هذا الكيان يضم داخل بيته الطموح رجالاً ونساءً صدقوا وصدقن الله فى السعى لإعلاء القيم الإنسانية والأخلاقية والعلمية والفنية والرياضية، ويسعى هذا الفريق بالمقام الأول والأخير - كما لسمت عن قرب وعايشت التجربة من بدايتها حتى لحظة انطلاقها - إلى ترقية الوجدان والحس الفنى المسئول فى المواهب الفنية الجديدة بغرض الوصول إلى مرحلة تقديم فنٍ راقٍ فى الجوهر والمظهر لأبناء وبنات مصر، لكيلا تقع عيونهم على مشهدِ من مشاهد الخسةٍ الرخيصة، ولا تسمع آذانهم ذاكَ الكلام الخسيس، الذى طال فى الآونة الأخيرة أنشطة الفن والإعلام وأفقدهما القيمة والمصداقية.
وإلى جانب تطوير المواهب والمهارات والقدرات المتميزة فى كل مجال، تتبنى خطة "المؤمنون" من أصحاب هذا الكيان لأبنائهم من المواهب والمتميزين فى شتى المجالات برامج للتنمية البشرية وتطوير الفكر والمفاهيم بوجه عام، إيماناً منا بأن الموهبة والنبوغ والتميز لن يفيدوا الوطن إلا إذا كان لدى صاحب هذه الموهبة أو ذاك النبوغ والتميز عقلية قادرة على حسن التفكير والتمييز بين الطيب والخبيث من خلال شخصية قوية لديها حس المسئولية تجاه الذات والأسرة والمجتمع والوطن.
وبنظرة خاطفة إلى هذه الفكرة النابعة من إيمان عميق بقدرات أبناء شعب مصر من الشباب الواعد فى شتى مجالات الحياة، قد يتبادر إلى الأذهان أن مسؤولية النهوض بالمجتمعات إنما تقع على عواتق ظاهرة نادرة الحدوث، لكن الحق الذى لا مراء فيه أن نوعيات بشرية كتلك التى تملك من المواهب والقدرات جديرة أن تجعل من أمتها أمة عظيمة فى مجال ما أو أكثر بإذن االله جل وعلا، لكن المجتمعات التى يهمها أمر حضارتها وتتطلع إلى أن ترتقى فى معارج التطور والرفعة والسيادة فى شتى المجالات، لا يمكن أن تنتظر معجزة أو تغيير جذرى فى قوانين الطبيعة التى خلقها االله عز وجل، لينبثق منها العشرات أو المئات من تلك الفئة النادرة ليغيروا حالها بين عشية وضحاها، ويجعلوا منها أمة عظمية فى فترة وجيزة.