مصر مش طابونة
بعد زيارة الرئيس السيسي الاخيرة إلى سوهاج وتصريحه بضرورة استعادة أراضي الدولة المستولى عليها و قطاعات الدولة المختلفة تعمل على اجلاء المغتصبين عن الأراضي المنهوبة ، ما يشبه سباق البيانات الصحفية بالمحافظات للإعلان عن تنفيذ قرارات إزالة أو استعادة اراضى للدولة ، وزارة الزراعة وجهت اتهاما لما يزيد عن 800 شركة و الداخلية تجاوزت تنفيذ 1400 قرار إزالة للتعديات
الجميع فى لحظة بعينها اعتبر أن القرار جاء فى وقته و أن التعديات كانت قد وصلت إلى مرحلة الخطورة بحيث يخشي على أموال الشعب و مستقبل التنمية المستدامة و كما تعلمون فمصر ليست تورتة الأكابر أو غلة اللصوص حاشي لله ، تلك الخطورة التى رأها برلمانيون تستوجب استخدام حالة الطوارئ في تطبيق القانون .
لا يوجد انسان ينزل على الحق يجد فى نفسه ذرة تعاطف واحدة مع حالة سرقة أو اعتداء على أموال الشعب أو الاقتطاع من أمواله دون وجه حق ، فحقا أصاب الرئيس و أن كان القرار قد تأخر لسنوات ربما قبل ان يصل الرئيس نفسه إلى سدة الحكم ، حتى وصل إلى مرحلة الخطورة ، إذا نحن أمام رئيس يوجهه رجاله و زملاءه فى السلطة التنفيذية من مختلف المحافظات و في أروقة وزارته بالبحث عن أموال الشعب و حمايتها من التبديد و قبل أن يخفت هذا الصدى العام الذى نقر أنه فى موضعه نحن إذ ننتظر النتائج التى سيخلص اليها أمر استعادة أراضي الدولة
و لعل ما يريحك الآن، ان غض طرف الدولة عن الاستيلاء سابقا و العشوائية التى صاحبت هذه الخروقات كانت عبارة عن معادلة من طرفين ، بين الحكم و الفاسدين لردح من الوقت ، البعض يصمت عن الفساد و استبداد الحكم في مقابل غض الطرف عن كل هذه الاستيلاء على الأراضي و أموال البنوك و العشوائية فى أقبية المحافظات و احيائها و العبث بمقدراتها ، معادلة سهلة لكنها نشرت الفساد و السرقة على مستويات متعددة و كثيرة تقاطع فيها مصالح ليست قليلة ، ربما الآن تغيرت المعادلة أو ربما تغير الوقت فلن تعد يجدى التفاعل تحت هذه الشروط و هذا ما ستكشفه النتائج .
الفساد فى قطاع أو التغاضي عن فساد فى قطاع آخر لا يعفى على الإطلاق من الافساد فى قطاع ثالث، فالحكومة قبل الأجهزة الرقابية مسئولة عن تضييق الخناق على الفساد و اجتثاثه و إزاحة أنصاره من مواقعهم، لهذا لا أدرك أن حجم الخسائر فى قطاع السكك الحديدية يقدر سنويا ب 3 مليارات جنيه مع ذلك يتمتع كبار و صغار الموظفين فى الدولة بالأرباح سنويا من وراء هذا القطاع ، و ربما الرقم المعلن وفقا لأجهزة الدولة يؤكد أن كل ما سيتم جنيه من إعادة أراضي الدولة في مختلف محافظات مصر لن تصمد أمام خسائر السكك الحديدية و لا أعرف متى ينتفض المسئولون لإعادة بناء هذا القطاع على أسس سليمة مثلما يفعلون الآن فى استعادة أراضي الدولة ، و هل ينتظرون قرارا رئاسيا حتى ينتبهون إلى هذه الكارثة التى تمتص ثروة شعبنا التى لا ينعم حتى بمستوى لائق فى قطاع النقل و المواصلات .
بالتأكيد الأمثلة كثيرة اذا أرادنا أن نعدد و نضرب الأمثلة و ربما و هى ليست من قبيل الأسرار، سيكون صعبا إزاء كل المشاكل و مخالفات القوانين أن يتدخل الرئيس شخصيا و أن يوجه مع كل حالة ، فأين الأزمة اذا و كيف يمكن تقليل الفجوة .
النظام الإدارى المصرى هو لب المشكلة ، العقلية التى كانت تدير فلا قانون الخدمة المدنية وحده قادرة على حل المشكلات و لا النيابة الإدارية و لا هيئة الرقابة الإدارية و إنما الأزمة الحقيقية تكمن فى العقلية الإدارية و السلوكيات الإدارية المتبعة، التى يكثر فيها استخدام البشر و تقل فيه الميكنة بصورة غير مقبولة في هذه الأيام، الأزمة المصاحبة هى أزمة فكر و غياب دراسات علمية توضع فى إدراج المسئولين الإداريين و الوزراء الذين ليس لديهم قدرة للتحرك او رغبة ، الا بتوجيه من الرئيس شخصيا و الإشكالية فى قدر المركزية اللافت الذى يجب تفتيته تدريجيا و خلق كوادر محلية و إقليمية لديه قدرة اتخاذ القرارات المدروسة و الحفاظ على المال العام الذين يؤمنون انه لاولادهم ، عليها عبء الرقابة المدروسة أيضا.
الأزمة لدينا أكبر من استعادة آلاف الأفدنة التى سيجرى استعادة الاستيلاء عليها أو على غيرها ، إذا كانت مواردنا الطبيعية محدودة و نحن نقر بذلك فماذا ننتظر حتى نستخدمها ما استطاعنا الاستخدام الأمثل مع البدء فى تنمية مواردنا البشرية بالشكل اللائق وفقا لدولة قانونية يعترف بها الحكم و المواطنون و يقل فيها الفساد و يتعاظم فيها الخير العام لأن مصر ليست طابونة .