دراسة اقتصادية حديثة تحذر من التوسع في نشاط "التخصيم"
حذر المركز الدولي للدراسات والأبحاث في دراسة اقتصادية حديثة من عواقب توسع الحكومة والبرلمان في منح تسهيلات تشريعية جديدة لشركات التخصيم ، والتي تبيع فيها الشركة ديونها المستحقة (فاتورة) لطرف ثالث بسعر مخفض في مقابل الحصول على أموال فورية لتقوم بأعمالها، ويأتي هذا لتوسيع "الشمول المالي" غير المدروس والذي قد يضر بالأقتصاد المصري أكثر مما يفيد خاصة ان معظم شركات التخصيم الموجودة حالياً مملوكة لشركات وبنوك اجنبية .
وأكدت الدراسة التي أعدها الباحثون بالمركز أن الهيئة العامة للرقابة المالية أعلنت عن طرح مشروع قانون جديد للتأجير التمويلي والتخصيم، والذي يتضمن استحداث التأجير التمويلى متناهي الصغر وذلك بعد مرورعشرين عاماً على إصدار أول قانون للتأجير التمويلي في مصر .
ويأتي ذلك مع ارتفاع عدد الشركات العاملة فى مجال التخصيم لتصل إلى 7 شركات، وهم (NSGB)، المصرية للتخصيم ، درايف للتخصيم، تمويل للتمويل العقاري ، المصرية لضمان الصادرات، القاهرة للتخصيم، المصريين للتخصيم ويقدر إجمالى رؤوس أموالها بأكثر من نصف مليار جنيه بالمقارنة بشركة واحدة فقط بنهاية عام 2010 وارتفع عدد عملاء نشاط التخصيم من 182 عام 2014 إلى 220 عام 2015 الي 300 في 2017 بمعدل زيادة 21%.ومن المنتظر صدور الموافقة على تأسيس شركتين جديدتين خلال العام الحالى.
ويتميز التخصيم بضمان التدفق النقدى والتمويل الذى يحتاجه المشروع التجارى دون الحاجة إلى الانتظار حتى تاريخ استحقاق الفواتير لتحصيل القيمة بنسبة سيولة تصل إلى 80% من قيمة الحقوق المالية للبائع وانخفاض مخاطر الديون المعدومة والخسائر المؤثرة على صافى أرباح المشروع التجارى، في الوقت الذي انخفضت فيه عدد الشركات المستفيدة من التخصيم عن 300 شركة.
وشرحت الدراسة أن الأزمة المالية العالمية بدأت، عندما انخفضت أسعار العقارات بشكل حاد في النصف الأول من عام 2007 وتعثر المقترضون وامتناعهم عن السداد مما أدى ذلك إلى نقص حاد في السيولة المصرفية لدى البنوك وزيادة طلب سحب الودائع من قبل المودعين بسبب التخوف من حدوث أزمة سيولة وفعلاً حدث ما كان متوقعاً، آذ انتشرت الأزمة إلى أسواق المال والبورصة الأمريكية بصورة سريعة، ولكن السبب الحقيقي في تفاقم الأزمة هو طريقة بيع الدين أو ما يسمى (بالتوريق) من خلال مراحلها، بصيغة سندات رهون عقارية بفوائد وبيعها في الأسواق المالية العالمية لذلك امتدت الأزمة إلى الأسواق المالية العالمية .
ثم جاءت خطط الإنقاذ الأمريكية التي تضمنت أساسيات مهمة وهي (الإقراض، التأمين، الدمج) للبنوك والمؤسسات المتعثرة بهدف إنقاذ هذه المؤسسات وإنقاذ الاقتصاد والحيلولة دون انهيار القطاع المالي والمصرفي ومن ثم انهيار الاقتصاد الكلي، وهذه الخطط قررتها العديد من الدول بهدف الحد من الأزمة وليس الحل النهائي لمعالجة الأزمة .
وهنا نشطت فكرة شركات التخصيم، ولا شك أن هذه المؤسسات المالية تلعب دوراً هاماً وخطيراً في اقتصاد أي دولة، فهي بمثابة القلب بالنسبة لجسم الإنسان، حيث تتلقى الأموال وتعيد توظيفها .
واضافت الدراسة أنه في حالة تعرض أحد أنشطة القطاع المالي (بنوك، شركات تأمين، تمويل عقاري، سوق المال، التوريق، التخصيم) لأزمة معينة، فإن هذه الأزمة تنتقل سريعاً إلى بقية أنشطة القطاع المالي.
ومما زاد الأمر سوءاً تعدد الأجهزة الرقابية على أنشطة القطاع المالي ومن ثم عدم وجود تنسيق بينها، مما جعل الرقابة غير كافية، ولذلك فحينما بدأت أزمة التمويل العقاري في الولايات المتحدة ، سرعان ما انتقلت إلى باقي أنشطة القطاع المالي .
وبالرغم من وجود أشكال متعددة للتخصيم إلا أن النموذج المتاح فى مصر حاليا هو التخصيم دون حق الرجوع، حيث تتحمل شركة التخصيم المسئولية الشاملة عن الالتزامات المالية للمشترى، فإذا أصبح المشترى غير قادر على الدفع خلال وقت زمنى محدد يتعين على شركة التخصيم سداد القيمة الاسمية للفاتورة.
وتحقق شركات التخصيم أرباحها بطريقتين الأولى عن طريق فرض عمولة على إدارة عملية التحصيل وهى تتراوح بين 1.25% - 2% من قيمة الشحنة، والطريقة الثانية عن طريق تحميل فائدة قدرها 2%- 4% فى الشهر على أى مبالغ نقدية تدفع مقدما ويتم تحميل الفائدة من وقت تسليم البضائع وحتى سداد المستورد لكامل قيمة الشحنة
ونظراً لظروف الأقتصاد المصري اصبح لشركات التخصيم دوراً مميزا في التعاملات بالأسواق، وهنا تكمن الخطورة، فالبيئة التشريعية التي تتبناها الهيئة العامة للرقابة المالية لصالح شركات التخصيم تقدم تسهيلات كبيرة ليست بمقدار ما قدموه فب ظا عدم وجود اي دراسات حكومية عن مخاطر توسع هذا النشاط وهو ما يثير القلق في الأسواق الناشئة كالسوق المصري، وقد كانت القاعدة القانونية لإنشاء الشركة هى قرار رئيس الوزراء رقم 1446 لسنة 2003 الذى يسمح بتوفير خدمات التخصيم في مصر ثم تبعه قرار الدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء وقتهارقم 162 لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997 وذلك لتنظيم نشاط شركات التخصيم وإمكانية تعديل رأسمال الشركات، وبعدها قرارًا وزاريًا لعمرو الجارحي، وزير المالية في مارس 2016 بإضافة نشاط «التخصيم» ضمن أنشطة التمويل المسموح للشركات التعامل فيها، أسوة بنشاط «التوريق»، و«التأجير التمويلي».
وطالبت الدراسة مجلس النواب بالتأني في سن اي قوانين جديدة للتخصيم ومراجعة أليات عمل الشركات خلال الفترة الماضية وتجاوزاتهم خلال الفترة الماضية حتي لا يتعرض السوق المصري وخاصة صغار المستثمرين لضربات جديدة موجعة، خاصة ان المحاكم تشهد منازعات قضائية كثيرة بسبب تلك الشركات، كما طالبت الدراسة مجلس النواب بعدم النظر لأوضاع الأقتصاد والقوانين بالبلدان الكبري بل بدراسة السوق المصري في ظل عدم وجود مقومات نظام جيد للتمويل في مصر مثل عدم وجود سوق اولية وأخري ثانوية منظمة لها قواعد تحكمها وجهات تتولي رقابتها وبالتالي ان نبدأ أولاً بتطوير سياسات الاصلاح المؤسسي لسوق التمويل والذي يعد أحد عناصر الاصلاح المالي الشامل .