أيقظوا ضمائركم أو ارحلوا عنا
هناك قوى كامنة داخل الإنسان تدعوه للخير، وتنهاه عن الشر، قوة فطرية وصوت داخل أعماق الإنسان يراقبه، وعندما يخالف الإنسان هذه القوة يشعر بعدم الارتياح، وتأنيب النفس، وعندما يمثل لتلك الأوامر يشعر بالراحة النفسية؛ أنه "الضمير الإنساني"، فالضمير جزء من الأخلاق وتدعو إليه كل الأديان السماوية، فهو من باب مراقبة الله في كل أعمالك، قبل أن تراقب الناس، هذا هو الملخص الفلسفي والديني لـ"الضمير".
عندما تجد شخصًا ما يؤدي عمله بإخلاص وتفاني وإتقان تصفه بجملة واحدة "عنده ضمير"، وأعتقد أن "مصر"، والوطن العربي في أشد الحاجة إلى تفعيل هذا الضمير المعطل، فعندما يوكل إلى عمل يجب أن تنفذه بإتقان، وكأنك تأديه إلى نفسك، وأعتقد أن عقدة الخواجة في الصناعة والزراعة والاقتصاد والتكنولوجيا والخبرة الكبيرة، هي أن هؤلاء أيقظوا ضمائرهم في أعمالهم، فتعلموا بإتقان، وأضافوا إلى تعليمهم بمهارة وحب وضمير، فكانت النتيجة تفوق ونجاح، في المقابل نجد العنصر العربي يبحث عن مطالبه أولا المالية والوضعية وغيرها، ويمنح ضميره إجازة في كل ما يعمله أو يقدمه للآخرين.
وحتى لا يكون حديثي سردًا غير ممثل على أرض الواقع، نضرب لكم مثلًا من كل مجال، فمثلا عندما خرجت كوادر التليفزيون المصري خارج مبنى ماسبيرو أحدثوا ثورة في الإعلام العربي، وظهروا بشكل مميز في كل شيء، وعندما تشاهد أداءهم داخل التليفزيون المصري تستعجب وتقول هل المخرج والمذيع والمصور والفني والمعد هم نفس الأشخاص الذين يعملون في قناة كذا الفضائية، ويقدمون هذا الإبداع في الحقيقية هم نفس الأشخاص ولكن هذا أحضر ضميره في العمل الخاص وغيبه في العمل الحكومي، وفي كل الأحوال عندما تسأل عن السبب فإن الإجابة "أكلشيه" معروف، وهو "على قد فلوسهم"، هذا ليس أمر معمم لأن المدير المسئول في القطاع الحكومي الممثل للدولة، قد يكون لديه أسباب تمنعه من تطوير الأداء والتركيز والتفكير.
هذا المثال ينطبق عن الذين يملكون ضميرًا مغيّبًا، ويؤدون أعمالهم بطريقة باهتة لا تستحق الأجر الذين يتقاضونه، ولا يستحقون حجب المكان لأنفسهم ومنع المجتهدين، وهناك مثال آخر عن فئة مات ضميرهم وانعدمت أخلاقهم في عدد كبير من الوزارات، وأتذكر أنى جلست ذات مرة مع مسئول كبير في أحد الوزارات المهمة، وقال لي حرفيًّا إنه استلم عمله وكيل وزارة في إحدى المحافظات، ومسئول عن عدد من العاملين يتجاوز عددهم على الورق عشر آلاف عامل، يتقاضون رواتبًا من أموال الدولة يحضر منهم للعمل فقط 600 عامل والباقون يذهبون لصرف رواتبهم فقط، حتى أن هذا المسئول مكث في مكانه ثلاثة أشهر فقط، واستقال بعد أن رأى عجب العجاب، حتى أن هناك أحد الموظفات سافرت إلى خارج البلاد أكثر من عام، وكانت تتقاضى راتبها، وقبل أن يغادر المكان هذا المسئول شاهد هذه الموظفة وزملاءها يهنئونها بالعودة إلى أرض الوطن بعد عام من الغياب، وفوجئ المسئول أنها كانت تتقاضى المرتب لمدة عام، بالإضافة إلى الحوافر والمكافآت والعيدين ورمضان عن طوال العام، هذا الكلام معروف للجميع، ولم يكن هذا سردًا من خيالي، إنما واقع يعرفه الجميع.. فما الوصف الذي يستحقه من يفعل هذا، وأعتقد أن عددهم يقدر بالملايين فهذا النموذج موجود في كل قطاعات الدولة.
في النهاية، أقول لن تنهض مصر بهؤلاء الذين انعدمت ضمائرهم، بل ماتت ودفنت بجوار أخلاقهم، إن إيقاظ الضمير الإنساني هو إيقاظ للوطن أيقظوا ضمائركم أو ارحلوا عنا.