عن أزمة الدولار
شهدت أزمة انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار جدلًا شديدًا في الفترة الأخيرة بعد انخفاض العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بمقدار 15% وهو تداعٍ خطير يثير القلق والارتباك ويضعف الاستثمار، واتخذت الحكومة تغييرات في القطاع المصرفي أبرزها محافظ البنك المركزي، وظهر الجدل "الإعلامي" حول أسباب التراجع وطرحت أسئلة على شاكلة هل هناك أيادي خفية تبعث بالاقتصاد المصري؟ وهل الاقتصاد المصري لا يزال يعاني ولم يتعافي بعد على الرغم من تدشين عدد من المشروعات الكبرى؟ وكيف ننعش الاقتصاد المصري ونعيد للعملة المحلية مكانتها؟ وهل وهل وهل أسئلة كثيرة طرحت، ولذلك سأحاول في السطور التالية مناقشة الأزمة بطريقة علمية تحليلية من خلال بعض الأسباب الجوهرية لتلك الأزمة.
بداية من الضروري معرفة أن دور البنك المركزي، هو إدارة النقد الأجنبي وليس صانعه، والحصول على العملة الأجنبية هو مسئولية الحكومة.
والوقوف على أسباب أزمة تراجع المعروض من الدولار وبالتالي ارتفاع سعره يتطلب معرفة موارده، وطرق إنفاقه لمحاولة الخروج من المشكلة.
وتتلخص موارد النقد الأجنبي في مصر في عدد من الروافد هي: تحويلات المصريين للخارج، والسياحة، وإيرادات قناة السويس، والاستثمار الأجنبي، والصادرات.
الرافد الأول تحويلات المصريين في الخارج، وعلينا أن لا ننتظر أي زيادة فيها على خلفية الأحداث السياسية التي يعج بها العالم خاصة المنطقة العربية، والتي تتسبب في ارتفاع نسب البطالة، أو على أقل تقدير تخفيض الرواتب، ولكن في هذا الأمر هناك تلاعب من شركات الصرافة التي يتواجد لها مندوبون في الخارج يحصلون على تلك التحويلات بدلًا من البنوك، وهنا على الجهاز المصرفي تعزيز وتنشيط دور البنوك المصرية الوطنية بالخارج للوصول إلى القاعدة الأكبر من المصريين.
أما بشأن الرافد الثاني وهو السياحة، فإن تحركات الحكومة في هذا الشأن مقبولة، ولكن الأمور يتحكم في مسارها أحداث خارجة عن إرادة الجميع، مثل أزمة سقوط الطائرة الروسية، إضافة للأحداث الإرهابية التي وقعت في أوروبا وتحديدا بلجيكا والتي عززت مخاوف السفر بالطيران ككل.
الرافد الثالث للعملة الأجنبية، هو إيرادات قناة السويس والتي تسجل 5.3 مليار دولار سنويا فهي ثابتة دون زيادة بسبب تقلص حركة التجارة العالمية، على خلفية الأحداث السياسية التي يشهدها العالم، وتراجع أسعار النفط بشكل كبير.
أما الاستثمارات الأجنبية وهي الرافد الرابع للعملة الأجنبية، فالحديث عنها يشير إلى تقصير حكومي يتطلب مزيدا من التحركات خاصة إن المستهدف العام الماضي لم يتحقق، حيث كان يقدر بـ8 مليارات دولار، لم يتحقق منها سوى 6.3 مليار دولار فقط، بينما المستهدف هذا العام 10 مليارات دولار هناك شكوك كبيرة أن يتم تحقيقها، وهنا على الحكومة التحرك بشكل أكثر فاعلية لحل مشاكل المستثمرين وتقديم حوافز مشجعة تسهم في استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية.
أخيرًا الصادرات وهي المورد الأخير من موارد النقد الأجنبي، فأيضا تراجعت بشكل كبير، حيث بلغ حجم التراجع في العام المالي الماضي نحو 3.7 مليار دولار، مقارنة بالعام الذي سبقه، ما يتطلب تدخلًا حكوميًا لحل أزمة توقف المصانع، وتقديم الحوافز المناسبة لحل مشكلات المستثمرين.
على جانب الآخر، فهناك فجوة كبيرة في الميزان التجاري، ارتفعت إلى نحو 40 مليار دولار خلال العامين الماضيين، مقارنة بـ18 مليار دولار ، قبل ذلك، مشيرًا إلى أن الاستيراد يؤدي ليس فقط لنزيف في احتياطي النقد الأجنبي، وإنما أيضًا يؤدي لهدم التنمية، لأن معظم المنتجات المستوردة غير مطابقة للمواصفات تتسبب في أضرار على الصحة العامة وأيضًا المنتج المحلي.
وعلينا أن نشيد بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا ومنها حظر الاستيراد إلا من مصانع مرخصة ومنتجاتها مطابقة للمواصفات، كذلك قرار حظر بعض المنتجات الترفيهية، ولكن على الحكومة أيضًا ضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تحد من الاستيراد وعلى رأسها مراجعة نسب المكون المحلي في الصناعة المحلية لتقليص استيراد المكونات، إذ تراجعت نسبة المكون المحلي في المنتج المصري من 40 و50%، إلى أقل من 5%، ما جعل الصناعة في مصر مجرد تعبئة وتغليف لمنتج لا يتم توزيعه إلا في السوق المحلية لرداءة معظمه.
كما علينا ضرورة إعادة تنظيم سوق الصرف في مصر، واستحداث تشريع مشدد لعقاب شركات الصرافة التي تتلاعب بالعملة، وضرورة أن تتضمن خطوات إعادة الهيكلة للسماح بزيادة رأس مال تلك الشركات وتحديث نظم عملها، وتشديد الرقابة على أدائها لإعادة الاتزان لسوق الصرف من جديد.