انقسام داخل الحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا
يشهد الحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا انقساما حادا قبل 14 شهرا من الانتخابات الرئاسية، وذلك على خلفية المقالة اللاذعة التي أصدرها عدد من الشخصيات اليسارية لانتقاد أداء الحكومة، الأمر الذي قد يلقي بظلاله على فرص الرئيس فرانسوا أولاند في توحيد صفوف اليسار للترشح العام المقبل لولاية رئاسية ثانية.
وكانت مارتين أوبري، زعيمة الحزب الاشتراكي السابقة وعمدة مدينة "ليل"، قد شنت هجوما قويا في مقالة نشرتها أول أمس، الأربعاء، صحيفة "لوموند" ووقع عليها 17 شخصية يسارية بارزة مثل دانيال كوهن بينديت ووزير التعليم الأسبق بنوا هامون.
وتضمنت المقالة انتقادات قاسية لسياسات الرئيس فرانسوا أولاند ورئيس الوزرء مانويل فالس لاسيما خطة الحكومة؛ لتخفيف الأعباء المالية والضريبية على الشركات بواقع 41 مليار يورو في إطار ما يسمى بميثاق "المسؤولية والتضامن" الذي تم إطلاقه لدفع النمو والنشاط منذ يناير 2015.
ونددت المقالة بما وصفته "بالنقاش المؤسف" حول إسقاط الجنسية عن الفرنسيين المدانين بالإرهاب، وكذلك بتصريحات رئيس وزراء فرنسا المعارضة لسياسة الهجرة التي تنتهجها ألمانيا والرافضة لوضع آلية دائمة لتوزيع اللاجئين في الاتحاد الأوروبي.
ووصف الموقعون على المقالة نهج الحكومة، بأنه إخفاق للحزب الاشتراكي ويساهم في إضعاف اليسار وفرنسا بشكل دائم، متهمين حكومة فالس بتفويض مبادئ وأسس الاشتراكية.
كما رأوْا أن هناك تدابير أخرى أكثر اتساقا مع قيم اليسار يمكن تبنيها مثل تطبيق عقوبة عدم الأهلية الوطنية بدلا من نزع الجنسية في قضايا الاٍرهاب.
واعتبروا أن مشروع إصلاح قانون العمل لن يساهم في دعم التوظيف، بل سيهدد بناء العلاقات الاجتماعية، ويمنح المزيد من الصلاحيات لأرباب الأعمال للاستغناء عن العمالة وعدم دفع ساعات العمل الإضافية.
وحول الهجرة، أكد الموقعون على المقالة أن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل لم تتعامل بسذاجة ولم ترتكب خطأ تاريخيا، كما وصف البعض، باستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين، مؤكدين أنها لم تعرض أوروبا للخطر بل أنقذتها من العار المتمثل في غلق الأبواب أمام النساء والأطفال والرجال الفارين من الاضطهاد والموت، وفي تجاهل الأشخاص الذين يموتون يوميا في البحر المتوسط.
وبررّت مارتين أوبري هذا الهجوم العلني على الحكومة بأنه لم يتم الاستماع للمقترحات التي طرحتها منذ شهور طويلة للحكومة هي وآخرين من الحزب الاشتراكي.
ولم يعلق الرئيس أولاند على المقالة التي صدرت أثناء قيامه بجولة في أمريكا اللاتينية، فيما جاء رد مانويل فالس عليها بعد مرور 24 ساعة عبر صحيفة "لوموند" أيضا، مؤكدا أن المقالة الهجومية خالية من أي مقترحات، وتهدف إلى التشكيك في عمله منذ توليه مهام منصبه على رأس الحكومة.
ووصف هذه الانتقادات بأنها بمثابة مواجهة جديدة بين من يمثلون فكر اليسار في القرن التاسع عشر وآخرين ينتمون للقرن الحادي والعشرين.
وتأتي هذه الانتقادات غير المسبوقة لسياسات الحكومة قبل عام من الرئاسيات بعد إعلان الحكومة مؤخرا عن مشروع إصلاح قانون العمل الذي ساهم في "سكب الزيت على النار"، لما يتضمنه من تعديلات تمنح مرونة أكبر لأرباب الأعمال على حساب العاملين.
ويلقى مشروع إصلاح قانون العمل الذي طرحته مؤخرا وزيرة العمل الفرنسية مريم الخمري معارضة من جانب العديد من ممثلي الأغلبية الاشتراكية "الحزب الحاكم" في الجمعية الوطنية "مجلس النواب"، وكذلك من قبل نقابات العمل الرئيسية التي ترى أنه يمنح صلاحيات واسعة لأرباب الأعمال، ومن أبرزها ما يسمى "بالتسريح الاقتصادي للعمالة" حال انخفاض النشاط لعد أشهر متتالية.
وكانت الحكومة قد لوحت بإمكانية استخدام المادة "3-49" من الدستور التي تتيح لها، لمرة واحدة في السنة، تمرير قانون بالقوة دون اللجوء إلى تصويت البرلمان قبل أن تتراجع عن هذا الخيار للتأكيد أن المجال مفتوح للنقاش من أجل إدخال التعديلات اللازمة، ويشار إلى أن مانويل فالس لجأ لهذا البند الدستوري في فبراير 2015 لتمرير "قانون ماكرون" للنهوض بالاقتصاد الفرنسي؛ بسبب تهديدات نواب جبهة اليسار وبعض الاشتراكيين المناهضين لسياسة فرانسوا أولاند الاقتصادية بالتصويت ضد القانون.
وبالرغم من تزامن مقالة "لوموند" مع الإعلان عن تراجع عدد العاطلين عن العمل في فرنسا بمقدار 27900 أو 0.8 بالمائة في يناير الماضي- في الوقت الذي لا تزال فيه قضية البطالة من أبرز التحديات التي تواجه الرئيس أولاند - إلا أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة والانشقاق داخل الحزب الاشتراكي الحاكم يساهمون في تقليص فرص أولاند بالفوز بولاية ثانية في رئاسيات 2017.