الحكومة تضع حبلًا حول رقاب الفقراء.. التخطيط لإلغاء الدعم عن الكهرباء والوقود والمياه والمواصلات.. وخبراء: لا توجد رؤية اقتصادية للدولة.. وتفتقد البعد الاجتماعي
"حنفى": إلغاء الدعم سيزيد التخضم وسينشئ كيانات احتكارية
"عليان": لن يفيد سد عجز الموازنة ويجب استغلال موارد الدولة بطريقة أكبر
"عبدالحميد": طريق الإصلاح الاقتصادى يبدأ من ترشيد الإنفاق الحكومي
بين الحين والآخر تخرج علينا الحكومة بتصريحات مثيرة للجدل حول رفع الدعم بشكل تدريجى لسد عجز موازنة الدولة.
واتخذت حكومة المهندس شريف إسماعيل عددًا من الإجراءات ضمن برنامجها، التى من شأنها أن تمس المواطن محدود الدخل، الأمر الذي يناقض ما أقره الرئيس عبدالفتاح السيسي أولًا ثم رئيس الوزراء بأن محدودى الدخل فى قلب برنامج الحكومة.
ويمكن تعريف الدعم بأنه المساهمة والمساعدة المالية التى تتكبدها الحكومات لمساعدة شعوبها على مواجهة الفقر وبالتالى يعتبر الدعم زيادة فى القدرة الشرائية للحاصلين عليه نظرًا لضآلة دخولهم، وبالتالى الدعم هو بمثابة الحياة لكل القطاعات الفقيرة، خاصة أن أكثر من 40% من الشعب يقبعون تحت خط الفقر، فإلغاء الدعم يمثل كارثة بالنسبة لهم، ولا يعرف أحد نتائج ذلك فى الفترة المقبلة.
إلغاء الدعم عن الكهرباء
أهم الإجراءات الجديدة التى أقرتها الحكومة فى برنامجها هو ما أكده وزير الكهرباء محمد شاكر، أن الدولة فى طريقها لإلغاء الدعم عن الكهرباء بشكل كامل مع بداية عام 2020، لافتا إلى أن قطاع الكهرباء فى مصر يعانى من عدة مشاكل منذ عقود، أهمها عدم قدرة المحطات القديمة على العمل بكامل طاقتها، كما أن محطات الكهرباء تعانى من نقص الصيانة وعدم الاهتمام.
ويعتبر القطاع الأكبر تضخمًا في الموازنات المصرية، سواء الحالية التي شهدت عجزًا غير مسبوق، أو الميزانيات السابقة، هو دعم الكهرباء والمواد البترولية، خاصة أن الحكومة قد ألغت دعم الغاز الطبيعي بشكل كامل في موازنة 2014 – 2015، وبلغ دعم الغاز الطبيعي في موازنة السنة المالية 2013- 2014 نحو 8 مليار جنيه.
تقليص 61 مليار من دعم الطاقة
ومن ضمن الإجراءات التى تتخذها الحكومة أيضًا، خفض دعم الطاقة وفقًا للبرنامج المحدد من العام الماضى، حيث أكد المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء أكثر من مرة، أن الحكومة فى طريقها الى لتخفيض دعم الطاقة بنحو 61 مليار جنيه خلال العام الحالى، لافتا إلى أن ذلك سيتم العمل وفق خطط واضحة من شأنها تقليص 70% من دعم الطاقة خلال 5 سنوات حتى يصل إلى مستحقيه الحقيقيين.
الحكومة لن تستثنى المياه من إلغاء الدعم
ليست وحدها الكهرباء أو مواد الطاقة التى سيتم إلغاء الدعم عنهما فقط، لكن الحكومة فى طريقها أيضًا إلى إلغاء الدعم عن المياه، حيث أكد الرئيس السيسي أن تكلفة دعم مياه الشرب، يصل إلى 40 مليون جنيه يوميًّا، وصرح أن الدولة لن تستمر في دعم المياه بهذا الشكل خلال الفترة المقبلة.
كما تستعد وزارة النقل إلى إلغاء الدعم عن المواصلات العامة، وربما تكون الخطوة الأولى نحو هذا التوجه زيادة تذكرة مترو الأنفاق.
ووصف خبراء اقتصاديون توجه الدولة لإلغاء الدعم بشكل تدريجى بالطريق المحفوف بالمخاطر، مؤكدين أن الأمر يشبه حبل جديد حول رقاب الفقراء، مشيرين إلى أن إلغاء الدعم دون خطة واضحة سيؤدى إلى مشاكل اقتصادية وسيزيد من ارتفاع الأسعار.
غضب شعبي
في البداية، أكد الدكتور أحمد حنفى المحلل الاقتصادى، أن إلغاء الدعم بطريقة تدريجية سيؤدى إلى زيادة التضخم وبالتالى سيتم رفع الأسعار الأمر الذى سيعزز وجود كيانات احتكارية وكيانات غير رسمية، لافتا إلى أن قرارات رفع الدعم عن الخدمات الحكومية المختلفة تحتاج إلى مراجعة حقيقية ويتم فرضها بطريقة يقبلها المواطن ويتقبلها بكامل وعيه.
وأشار المحلل المالى إلى أن قرار رفع الدعم قرار ممتاز من وجهة نظر الدولة، وسيفيد الموازنة العامة بشكل كبير، لكن المستفيد الأكبر منه هم أصحاب رؤوس الأموال، لافتا إلى أن قرارات رفع الدعم تحتاج إلى برامج تكفل العدالة للمواطنين، ويجب أن توزع الموارد بطريقة عادلة تحفظ حياة كريمة لمحدودى الدخل أو من هم حول خط الفقر، فلو لم يتقبل المواطن العادى هذه القرارت فسنكون فى الطريق إلى كارثة مجتمعية وغضب شعبي لا يعرف أحد ماذا ستكون نتيجته.
الدولة مرتبكة
وأشار الدكتور عبدالرحمن عليان الخبير الاقتصادى، إلى أن هناك تخبط فى الرؤية الاقتصادية للدولة ولا يوجد استراتيجية واضحة تعمل من خلالها الوزارات المعنية بالشأن الاقتصادى، فهناك كثير من الحلول التى يجب أن يتبعها الوزراء للخروج من الأزمة الاقتصادية دون النظر إلى الدعم الذى يمثل طوق نجاة لكثير من المصريين الفقراء.
وشدد على ضرورة استغلال موارد الدولة التى يمكن أن تحقق تقدما اقتصاديا فمصر بها الكثير من المميزات والموارد الغير موجودة فى دول تقدمت علينا بكثير، وأصبح متقدمة اقتصاديا لكن نحن للأسف تلجأ إلى الحلول السهلة التى لن تؤدى إلى التقدم الاقتصادى.
وطالب الخبير الاقتصادى، الحكومة قبل أن تفكر فى رفع الدعم تدريجيًا، أن تفكر فى تحسين الأجور لدى الموظفين فى الدولة حتى تتناسب مع طبيعة الأسعار لكل السلع والمنتجات الموجودة فى الأسواق، مشيرًا إلى أن عجز الموازنة لم ينته مع رفع الدعم، مؤكدا أنه هذا ليس الحل، لكن هناك طرق أخرى أهمها خلق ماخ مناسب لجذب الاستثمارات، انتشار الكثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تأتى نتائجها بطريقة سريعة ويعبر بها المواطن على أرض الواقع.
ترشيد الإنفاق الحكومي
وأوضح الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد الخبير اقتصادي، والرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن طريق الإصلاح الاقتصادى لا يمكن أن يبدأ بإلغاء الدعم، فالمجتمع به الملايين الذين يحتاجون المزيد من الدعم والرعاية الاجتماعية والصحية وليس إلغاء الدعم عنهم فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها الدولة.
وأضاف عبدالحميد، أن خطة إلغاء الدعم التى تتبعها الحكومة لن تفرق بين مواطن غنى وفقير، فالتصريحات التى التى ترفعها الحكومة الخاصة بأن رفع الدعم لن يضر الفقراء ومحدودى الدخل مجرد شعارات وهمية وقرارات حبر على ورق، لافتا إلى أن سياسات الدولة الاقتصادية فى العقود السابقة أدت إلى إفلاس الدولة.
وطالب الخبير الاقتصادى الحكومة بترشيد الإنفاق الحكومي أولًا وتخفيض عدد الوزارات وتقليل المواكب الكبيرة التى ليس لها أى ضرورة، وتخفيض عدد المستشارين والنواب لكبار المسئولين فى الدولة، بجانب محاربة الفساد بطريقة حقيقية، مضيفا أن هذا من الممكن أن يكون بداية للخروج من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر.