موسم الاستقالات "تحت القبة".. خبراء: اشتعال المنافسة بين "المُعينين" و"المُنتخبين".. و"الشو الإعلامي" أبرز الأسباب
شهد مجلس النواب خلال الفترة الماضية ما أطلق عليه البعض "موسم الاستقالات" داخل البرلمان، فى ظل تكرار وقائع الاستقالات المُسبّبة التى تقدّم بها أعضاء المجلس بعد فترة وجيزة من بدء أعماله.. بل إن البداية جاءت قبل حلف اليمين الدستورية، عقب التصريحات التى أطلقها النائب توفيق عكاشة، وتلويحه بالاستقالة أكثر من مرة، ليتبعه بعد ذلك استقالة النائب كمال أحمد، الذى تقدّم باستقالة رسمية، بسبب ما وصفها بـ"العشوائية" التى تسيطر على المجلس، ليلحق المستشار سرى صيام، عضو مجلس النواب "المُعيّن" بركاب المُستقيلين، بسبب ما وصفه بـ"التهميش" المُتعمّد له تحت القبة.
"العربية نيوز" من جانبه طرح العديد من التساؤلات حول تلك الأزمات المُتلاحقة، من بينها: هل تؤثر تلك الاستقالات على تماسك المجلس؟، وما مدى تأثيرها على شكل البرلمان على الصعيدين الداخلى والخارجي؟.. إجابة تلك الأسئلة حاولت مصادر برلمانية الإجابة عنها، من خلال إرجاع أسباب الأزمات إلى وجود إخفاقات كبيرة من قبل رئيس المجلس، الدكتور على عبدالعال، فى إدارة الجلسات، ووقوعه فى أخطاء وصلت إلى حد الكوارث، فعلى سبيل المثال رفض قانون الثروة المعدنية من قبل النواب، ويخطئ الوزير مجدى العجاتى ويطلب إعادة المداولة مستغلًا عدم وجود لائحة فى شيء لا يمكن حدوثه، فيخطئ رئيس المجلس بناء على خطأ الوزير ويطلب من النواب الإعادة على الرغم من أن ذلك خطأ تام من الناحية الإجرائية، لتحدث الكارثة ويخطئ المجلس نفسه ويوافق على القانون بعد رفضه، وهذه تعد مجموعة كوارث، هذا إلى جانب تصريحاته الغريبة، التى تدل على أنه ليس له دراية بالدستور أو القانون ولا حتى اللائحة الداخلية للمجلس، ولكن نلتمس له العذر لكون خبرته ضعيفة فى إدارة جلسات البرلمان.
وأوضحت المصادر، أنه كان لابد أن يستعين رئيس المجلس ببعض النواب الذين يمتلكون الخبرة فى إدارة الجلسات، وله الحق فى ذلك، ولكنه لم يستعن بأحد، وهذا يعكس المنافسة القائمة بين المُنتخبين والمُعينين داخل البرلمان، فهذا الطرف يرى أنه جاء بإرادة شعبية مُنتخبة ولديه الشرعية وأن المُعيّن مفروض على المجلس، فى حين أن الطرف الآخر يرى أنه جاء بناء على رغبة وإرادة سياسية، ناهيك عن تنافس أبناء المهنة الواحدة بين رجال القانون.
محمد بكر، الباحث والمتخصص فى الشئون البرلمانية، أشار إلى أن أبرز الاستقالات التى نتحدث عنها هى للمستشار سرى صيام، ومن قبله النائب كمال أحمد، ومن قبلهما النائب توفيق عكاشة، ومن خلال قراءة الشخصيات التى أقبلت على ذلك الإجراء، سنكتشف أن الأمر طبيعى ومنطقي، فهناك تفسير لتصرف كل منهم، فعلى سبيل المثال توفيق عكاشة يعتبر شخصية مُثيرة للجدل فى جميع الأحوال، فهو وبعض النواب من بينهم النائب مرتضى منصور، لا يستطيعون أن يمارسوا حياتهم بعيدًا عن الأضواء، وعن تناول الإعلام لهم ولأفعالهم سواء كان ذلك بالنقد أو المدح أو الذم أو الإشادة، لذلك فإن التقدّم بالاستقالة أمر مُتوقع ووارد حدوثه من تلك الشخصيات تحديدًا.
وأضاف "بكر": "وإذا تحدّثنا عن استقالة النائب كمال أحمد، وهو نائب محترم جدًا، ولكن هو شخص تعوّد على أن يكون صاحب منصب قيادى فى البرلمان؛ لكونه عضو مجلس "مخضرم"، فهو من تولى تمثيل كتلة المُستقلين تحت القبة البرلمانية، وكان ممثل هذه الكتلة فى اللجنة العامة، ولجنة القيم، ليفاجأ بعد كل هذا أنه خارج جميع الصلاحيات والمناصب القيادية، فهذه صدمة بالنسبة له، وهو من تعوّد على أن يكون قياديًا وليس تابعًا لأحد".
وتابع: "استقالة المستشار سرى صيام كانت واضحة لوجود منافسة شديدة جدًا بينه والدكتور على عبدالعال على رئاسة مجلس النواب، فلا أحد يستطيع أن ينكر على "صيام" علمه وخبرته القانونية، وهذا ما ظهر بوضوح فى عدم قدرة "عبدالعال" على مجاراته فى ملاحظاته التى يبديها أثناء جلسات المجلس، كما أن "عبدالعال"، يتحدث كثيرًا عن كونه عضوًا فى لجنة الخمسين لصياغة الدستور، ولكنه ليس فقيهًا دستوريًا وقانونيًا بحجم المستشار سرى صيام، فهناك فارق كبير بين الخبرة الأكاديمية التى يمتلكها رئيس المجلس، والخبرة العملية التى يتمتع بها "صيام"، وأسباب استقالة الأخير منطقية جدًا، فهو يتحدث عن أن تعيينه فى البرلمان جاء من منطلق الاستفادة من خبرته القانونية، فيفاجأ بعد ذلك باستبعاده من لجنة تعديل اللائحة الداخلية للمجلس، وهذا يشير إلى إجحاف لحقه، أو تعمّد تهميشه".
وحول مدى تأثير ذلك على شكل البرلمان على الصعيدين الداخلى والخارجى، قال "بكر": معظم برلمانات العالم تشهد مثل هذه الوقائع من شدّ وجذب، حتى فى الكونجرس الأمريكى نفسه يحدث ذلك، فهذه هى الممارسة الديمقراطية فى أن توجد المعارضة، والرأى والرأى الآخر، مع تمثيل جميع التيارات الفكرية داخل البرلمان، والتى تعبّر عن نبض الشارع، فعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى حزبى العمال والمحافظين فى إنجلترا، فهما دائمًا الصدام، والكنيست الإسرائيلى أيضًا يشهد مثل تلك الوقائع، فكم مرة نرى انتخابات مُبكرة له، لعدم وجود توافق بين التيارات السياسية الممثلة داخله.
وعلقت الدكتورة آمنة
نصير، رئيس لجنة التعليم بمجلس النواب، على أزمة الاستقالات، قائلة: لا يجب أن
نضخّم هذه القضايا، رغم أننى أشعر بأسى من غياب المستشار سرى صيام عن مجلس النواب
خلال الفترة الأخيرة، خاصة أنه يعتبر قيمة قانونية وعلمية، وبالتأكيد البرلمان سوف
يخسره فى حالة قبول استقالته، وأتمنى ألاّ تُقبل هذه الاستقالة، وأن تبحث هيئة
المكتب الخاصة بالمجلس الأسباب التى تضايقه، التى دفعته للتقدّم باستقالته، ليتم
تفادى الأمر فيما بعد حتى لا تتكرّر مثل هذه الوقائع.
وأضافت
"نصير": بالنسبة لاستقالة النائب كمال أحمد الذى تقدّم بها أيضًا فى
وقت سابق، فقد عاد مرة أخرى إلى البرلمان، واستقبله النواب بالتصفيق، وأتمنى أن
تنتهى أزمة المستشار سرى صيام بنفس الطريقة، وأن يحذو حذوه ويعود إلى مكانه تحت
القبة من جديد، وأن يُمارس أداءه المُتميز من جديد، وأدعوه إلى الأخذ بذلك الحديث.
وتابعت:
أنا لا أتوقع أن تؤثر تلك الأزمات والاستقالات على المشهد البرلمانى بشكل أو بآخر،
ولكن الإعلام دائمًا ما يسعى إلى تسليط الضوء على هذه المسائل البسيطة، التى
تنتهى بشكل ودّي، ولا تقبل الاستقالات المُقدّمة من قبل النواب، فالبرلمان به ما
يقرب من 600 عضو ومن الطبيعى أن تحدث مثل هذه الأمور.
نقلا
عن النسخة الورقية