جهل أبو الفتوح الدستوري
لا أعرف السبب الحقيقي لدعوة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لا يعكس فقط محاولة ليس لها سند من الواقع لاستعادة سيناريو عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في ثورة 30 يونيو 2013، والذي يجب أن نُذَكِّر الدكتور بأنه وحزبه قد شاركا فيه، وحزبه وصحبه ممن لم يشاركوا في انتخابات مجلس النواب الحالية، لأنهم على الأرجح أدركوا نتائجهم فيها وموقف المصريين منهما، فضلاً عن رفضهم المبدئى للنظام القائم كله، يتجاهل في دعوته لانتخابات رئاسية مبكرة، ألا أحد يملك التقدم بها وفقًا لهذه المادة سوى أغلبية أعضاء مجلس النواب، أى 300 نائب على الأقل، وبطلب مُسَبَّب.
وإذا توافر هذا الشرط الأولى، يكون هناك حاجز آخر دون استخدام هذا الحق الخطير، وهو موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي أكثر من 400 نائب، على طلب سحب الثقة من الرئيس، ويأتي القرار والحاجز الأخير من أغلبية الشعب المصري، الذي تتم دعوته للاستفتاء على هذا الطلب، فإذا وافق صار منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وإذا رفض عُدَّ مجلس النواب منحلاً، وتُجرى انتخابات جديدة له.
والذى تجاهله الدكتور أبوالفتوح بدعوته، هو الالتزام بنص هذه المادة المهمة من الدستور، والتى لا تترك منصب رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من أغلبية المصريين في انتخابات حرة فى يد كل مَن يزعم الحديث باسمهم أو باسم غالبيتهم، بل تُحيل الأمر في مرحلته الأولى إلى مجلس النواب الذى انتخبه الشعب أيضًا، لكي يقرر بنسبة عالية هي الثلثان مدى جديته واستحقاقه أن يُحال لصاحب القرار الأول والأخير فيمَن انتخب الرئيس والمجلس، وهو الشعب المصري، الذي بيده رفض سحب الثقة من الرئيس أن يحل مجلس النواب نفسه.
إن تجاهل هذه المادة الدستورية المهمة، التى يبدو اليوم أن واضعيها قد استشرفوا مثل تلك الدعوات للتلاعب بإرادة المصريين وباسمهم، لا يُعد فقط تجاهلاً لها، بل رفضًا واضحًا من صاحب دعوة الانتخابات الرئاسية المبكرة للمراحل الثلاث من خريطة طريق 30 يونيو- 3 يوليو، أى الدستور ورئيس الجمهورية المنتخب ومجلس النواب الذي ستنتهي الأسبوع القادم انتخاباته، فالمادة (161) من الدستور المُشار إليها تضع وتنظم هذا الحق فى سحب الثقة من رئيس الجمهورية ضمن استكمال هذه المراحل للخريطة، وتجعل قيامها ووجودها شرطًا ضروريًا لاستخدامه من داخلها وليس من خارجها. أما الدكتور أبوالفتوح، فإن دعوته تأتي خارج المراحل الثلاث، وبالتناقض مع الدستور، وبرفض الاعتراف بحقوق مجلس النواب فيه، وتتجه مباشرة إلى رئيس الجمهورية المنتخب بهدف إعادة إنتاج ما لا يمكن اليوم إعادة إنتاجه، وخلق كرة ثلج صغيرة يتصور صاحب الدعوة أن أطرافًا أخرى بداخل مصر وخارجها سوف تتلقفها وتدحرجها، لكى تكبر تدريجياً وتتحول إلى كرة كبيرة تُطيح بكل ما لا يرغب فيه مَن يقفون ضد 30 يونيو- 3 يوليو.
وبهذا المعنى، فإن ما أعلنه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ليس رأيًا في مسار أو قرار سياسي أو تشريعي، وليس اقتراحًا من رئيس حزب فى شأن عام يحق لكل الأحزاب إبداء آرائها فيه، بل هو خروج صريح وعلنى على الدستور الذى أقره 20 مليون مصري، وهو وحده الذي يضع القواعد والآليات التي تنظم النظام السياسي وإجراء أي تغييرات أو تعديلات فيه.
ولاشك أنه أيضًا من حق الدكتور أبوالفتوح وحزبه وصحبه أن يرفضوا مواد وأحكامًا وردت في الدستور، ولكن هذا يكون فقط قبل الاستفتاء عليه، أما بعده فهذا الرفض يُعد «انقلابًا» على الدستور في أي دولة تحترم إرادة شعبها الذى أقر دستورها. ومن هنا، فإن ما هو مطلوب الآن من رئيس حزب مصر القوية أن يعلن موقفه وحزبه وصحبه من دستور البلاد بأكمله بصورة واضحة وعلنية، لأن الأمر اليوم يتعلق بأساس الحكم فى البلاد ومصدر شرعيته، أي الدستور، وليس فقط برئيس الجمهورية المنتخب.