إفراغ الأوطان العربية والإسلامية من تراثها.. نهج استعماري لداعش
يوما بعد الآخر يثبت تنظيم "داعش" الإرهابي للعالم أجمع انه لم يتقن أساليب القتل والتعذيب والسلب والنهب فحسب بل أيضا تدمير ومحو الأثار والحضارات .. فالمنطقة العربية كانت خير شاهد على العديد من الحضارات التي تعد من أعظم الحضارات الإنسانية وعلى رأسها الحضارات الفرعونية والفينيقية والبابلية والآشورية والقبطية والتي ظلت شامخة على مر العصور، أذهلت العالم باسره ووقف حائرا أمام تفسير لغز هذه العظمة التي امتدت الى قرون من الزمن لم تنطمس أو تضمحل مثل الحضارات الأخرى التي لم تستطع الصمود أمام التغيرات التي يمر بها العالم لتكون عبرة لسائر البشر .
فلم يكتف تنظيم (داعش) بالاعتداء على البشر، نحرا وحرقا وصلبا ورجما ورميا من شاهق، بل امتدت سلسلة اعتداءاته لتطال الجماد أيضا.. حيث اقدم التنظيم "البربري" على تدمير الآثار ليحولها إلى ركام تذروه الرياح فقد قام عناصر التنظيم في خطوة همجية جديدة بتفجير معبد "بعل شمين"والذي يعد أحد أبرز المعابد في مدينة "تدمر" السورية الأثرية، بعد أيام قليلة من ذبح المدير السابق للآثار في المدينة ذاتها.
وقد سبق ذلك ،، سقوط مدينة تدمر الأثرية بقبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث سيطر المتشددون على أكثر من 50% من الآثار السورية التي دمروا وخربوا بعضا منها.
ولعل من أبرز الآثار التي دمرها عناصر التنظيم "الهمجي " في سوريا معبد " بل" والذي يعود بناؤه للقرن الأول الميلادي .
أماكن تراثية وحضارية كالمسرح الروماني في سوريا ،، كان يوما ما معقلا للفعاليات الثقافية، وعروض الباليه،إلا أنه تحول الآن إلى مسرح للتعذيب وتنفيذ الإعدامات الوحشية من قبل عناصر تنظيم "داعش " الإرهابي .
ليست سوريا فحسب بل انهالوا بمعاولهم على آثار العراق العريقة .. فكما فعل جيش المغول "البربري" منذ قرون عدة بتدمير بغداد وحضارتها ، عادت النسخة الحديثة المتمثلة في داعش لتدمر مواقع ومتاحف حضارة بلاد الرافدين ، حيث قاموا بتفجير مرقد "الأربعين " ، وتدمير "الكنيسة الخضراء" والتي تعود إلى نحو 1300 عام في تكريت..بالإضافة إلى تدمير "مسجد السلطان ويس" التاريخي وسط مدينة الموصل شمالي العراق .. إلى جانب تجريف وتدمير مدينة "نمرود " الأثرية باستخدام جرافات وآليات... كما دمر /الداعشيون/ في شمال العراق مجموعة لا تقدر بثمن من التماثيل والمنحوتات من العصر الآشوري القديم.
الأعمال والممارسات التي يرتكبها تنظيم "داعش " الإرهابي غير أخلاقية ولا تمت للدين بصلة ،، لذا كان رد المؤسسة الإسلامية العريقة /الأزهر الشريف/ واضحا حيث اعتبر أن ما يقوم به التنظيم من تدميرٍ وهدم للآثار بالمناطق الخاضعة لنفوذه بالعراق وسوريا،، جريمة كبرى في حق العالم بأسره، ،مشددا في الوقت ذاته على أن تدمير التراث الحضاري أمر محرم شرعا ومرفوض جملة وتفصيلا.
يأتي هذا في وقت تعالت فيه الأصوات العربية للتحرك الفوري لحماية الآثار، حيث استنكر البرلمان العربي على لسان رئيسه أحمد بن محمد الجروان تدمير تنظيم “داعش” الإرهابي للآثار التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمي في مدينة تدمر بوسط سوريا، داعيا مؤسسات المجتمع الدولي وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة /اليونيسكو/ للحفاظ على الموروث الحضاري والثقافي والإنساني المهدد بالتدمير في سوريا .. عدم ترك المجال مفتوحا لتنظيم ” داعش ” للعبث بموروث الإنسانية الحضاري العائد لمئات وآلاف السنين.
وفي رد دولي على هذه الممارسات ،، اعتبرت اليونيسكو ما يقوم به التنظيم بمثابة جريمة حرب وخسارة جسيمة للإنسانية، ورغبة بإبادة كافة التنوع الثقافي الذي يعود لآلاف السنين في الشرق الأوسط.
حضارة بلاد الرادفين وآثاره باتت تستخدم في تمويل العمليات الإرهابية التي ينفذها عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي .. ففي هذا الإطار قدمت منظمات دولية خرائط لأكثر من 12 موقعا أثريا تسيطر عليها وتتاجر بها قواتُ داعش حيث تقوم عصاباتٌ متخصصة في بيع الآثار المسروقة ببيعها في مزادات عالمية ،،وطالبات تلك المنظمات بضرورة إعادة هذه الآثار واعتبار المتاجر بها أو مشتريها إرهابيا وليس تاجرا للآثار.
وشددت مديرة قسم الآثار الشرقية في متحف اللوفر الفرنسي بياتريس اندريه سالفيني على ضرورة انتشال كنوز العراق من قبضة داعش قبل تهريبها وبيعها من قبل عصابات الآثار التي وجدت من السوق العراقية سوقا يدر عليها أموالا طائلة..فيما طالب باحثون أثريون منظمة "اليونيسكو" بوضع الآثار المسروقة على موقع المسروقات كي لا تباع في المزادات العالمية مما سيفقد قيمتـها المادية الفعلية.
على مدار التاريخ تعرض الكثير من التراث الثقافي والإنساني إلى عمليات تدمير لأسباب مختلفة وضمن سياقات متعددة ، ولكن تبقى النتيجة واحدة وهي أن البشرية خسرت جزءا مهما من ذاكرتها الحضارية وإرثها الإبداعي.
أعمال إرهابية لم يسمع العالم عنها في يوما ما إلا بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي ،، أعمال توضح أن هذه الجماعات المتطرفة تبدع في إفزاع الناس ببشاعة جرائمها، التي تدعي كذبا استنادها للدين، والدين منها براء، فتارة تحرق، وأخرى تذبح، وثالثة تدمر الحضارات وتقضي على الثقافات والأعراق منفذة بذلك أجندة استعمارية تهدف لإفراغ الأوطان العربية والإسلامية من مكوناتها التراثية والثقافية.