ننشر كلمة السفير المصري أمام مؤتمر "كيتو"
ترأس عبدالمنعم عمر السفير المصري بالإكوادور، وفد مصر بمؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمستوطنات البشرية، والذي يعقد بالعاصمة كيتو.
كما ألقى كلمة مصر بالمؤتمر، والتي أعدتها وزارة الإسكان، حيث أكد خلالها أنه في وسط تلك التحديات التي يموج بها النظام الدولي، استطاع شعب مصر أن يفرض إرادته لتحقيق الاستقرار وحماية الدولة ومؤسساتها فأقر دستوراً جديداً عام 2014 يحمي الحقوق والحريات التي شملها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث كفل المساواة في الحقوق علي أساس المواطنة ورسخ الحماية للفئات التي تحتاج إلى رعاية.
وأكد أن مصر تسعي إلي كفالة الحق في السكن الملائم والآمن والصحي للمواطنين بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وهو ما يؤكده دستور مصر الصادر عام 2014 والذي ألزم الدولة في مادته الـ(78) بكفالة المواطنين في المسكن الملائم والآمن والصحي، وقد عكفت مصر على صياغة إستراتيجية وطنية للإسكان تراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وبخطة تنفيذية على مدار العشرين عاماً المقبلة، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية والتشاركية في تنفيذها، مع التزام الدولة بمد المرافق الأساسية.
وأوضحت كلمة مصر في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمستوطنات البشرية أن الإستراتيجية الوطنية للإسكان تتضمن خطة قومية شاملة للتعامل مع مشكلة العشوائيات، والحد من انتشارها على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، تهدف إلي تحسين نوعية الحياة والصحة العامة عبر إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، كما تلتزم الدولة بتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ تلك الخطة الطموحة خلال مدة زمنية محددة.
وفي هذا السياق ولتعزيز فرص الحصول على المسكن الملائم، التزمنا بتنفيذ الوحدات السكنية لمنخفضي الدخل من خلال خطط الإسكان التي نفذت ما بين عامي 1982-2013 لإنشاء 2.5 مليون وحدة، وقد قامت الدولة بتنفيذ مجموعة من المشروعات تهدف إلى توفير الإسكان للشباب ولذوى الدخل المنخفض ومشروع الإسكان القومي لإنشاء500 ألف وحدة على مدار 6 سنوات.
وأضاف السفير عبدالمنعم عمر أنه مؤخراً تم إطلاق مشروع الإسكان الاجتماعي والذي يستهدف تنفيذ مليون وحدة سكنية علي مدار خمس سنوات بهدف توفير وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود، وقطع أراض عائلية صغيرة في المجتمعات العمرانية الجديدة لذوي الدخول المتوسطة.
وأوضح أن مصر حرصت على وضع إستراتيجية للتنمية المستدامة للخمسة عشر عاماً المقبلة، فقامت عام 2015 بإطلاق رؤية مصر 2030، وقد روعي في إعدادها المشاركة الواسعة لكافة أطياف المجتمع ممثلين عن الجهات الحكومية المختلفة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص وشركاء التنمية، كما تم صياغة أهداف محددة ومؤشرات واضحة لقياس مدى التقدم الذي سيتم إحرازه على صعيد تحقيق غاياتها، وفي إطار حرص الدولة المصرية على توفير الرفاهية والخدمات الأساسية دون تفرقة أو تمييز، بما في ذلك المسكن الملائم لتوفير المعيشة الكريمة لمواطنيها، فقد تم إدراج محور مستقل بذاته للبيئة والتنمية العمرانية من بين أهدافه إعادة توزيع السكان على مساحة مصر، وزيادة مساحة العمران في مصر بحوالي 5% من مساحتها الكلية حتى عام 2030، وتخطيط وتنمية مدن جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية بدون عشوائيات، وحل مشكلة العشوائيات نهائياً بحلول عام 2030، وأيضاً إنشاء 7.5 مليون وحدة سكنية بحلول عام 2030 بواسطة القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع التعاوني الأهلي.
وأكدت كلمة السفير أنه على الرغم من الجهود المبذولة من الدولة المصرية لبلوغ طموحاتها فيما يخص التنمية الحضرية المستدامة، فإننا ما زلنا نواجه العديد من التحديات، من بينها زيادة الكثافة السكانية وتركزها في وادي النيل والدلتا، حيث تمثل المناطق المأهولة نحو 6% من إجمالي مساحة مصر ويتمركز 56% من إجمالي سكان الحضر في المحافظات الحضرية الرئيسية الأمر الذي يؤدي إلي تزايد الضغوط على البنية الأساسية القائمة والخدمات التي توفرها الدولة لمواطنيها، هذا فضلاً عما تمثله مشكلة العشوائيات من ضغوط متنامية على جهود تحقيق التنمية الحضرية المستدامة، ومن هذا المنطلق حرصت الدولة على وضع إستراتيجية للإسكان، كما سبق الإشارة، تتكون من ثلاثة محاور رئيسية للتعامل مع التحديات التي يواجهها قطاع الإسكان في مصر، وتوفير إسكان ميسور التكلفة لمحدودي ومنخفضي الدخل، وذلك عبر حصر الرصيد السكني القائم، والذي تضمن عددا من الإجراءات من بينها تحسين أسواق الإيجار، وتقليل عدد الوحدات الشاغرة، والارتقاء بالمناطق غير الرسمية على نطاق واسع، وتنظيم الحيازة وإعادة التوطين، بالإضافة إلي توفير فرص جديدة للإسكان عبر التوسع في إنشاء المدن السكنية الجديدة، والتي بلغ عددها 23 مدينة، بما يسهم في إعادة توزيع السكان وزيادة الحيز المعمور في أنحاء القطر المصري، والعمل على خلق فرص عمل جديدة من خلال تهيئة بيئة الأعمال في تلك المناطق لتشجيع انتقال رؤوس الأموال، وتوفير فرص عمل للشباب، بما يسهم في القضاء على الفقر والبطالة.
وفي إطار وفاء مصر بتعهداتها وفقاً للنسق التنموية الدولية فقد تم إتباع أسلوب تخطيط علمي حديث يستند إلي مراعاة البعد البيئي للتنمية الحضرية المستدامة من خلال تعزيز استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة والاستغلال الأمثل للموارد، وإعادة تدوير المخلفات واستغلالها في توليد الطاقة النظيفة بما يسهم في خفض الانبعاثات.
وقال سفير مصر بالإكوادور، في كلمته بمؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمستوطنات البشرية، والذي يعقد بالعاصمة كيتو أنه إذا كان ما تقدم يمثل جزءا من الجهود التي بذلناها على المستوى الوطني لتحقيق التنمية العمرانية المستدامة، فإننا على إدراك تام بأن العمل الجماعي الدولي يعزز جهودنا الوطنية ويتكامل معها، ومن ثم فإننا نولي اهتماما كبيراً بمؤتمرنا هذا، حيث سنعمل من خلاله على تجديد الالتزام السياسي بالتنمية الحضرية المستدامة في المدن والمناطق الريفية وما بينهما، وإرساء ملامحها للعشرين عاماً المقبلة من خلال تطلعنا لاعتماد وثيقة مختصرة ومركزة تتأسس على التوافق وتهدف إلي تعزيز قدرة كافة الدول، وعلى رأسها الدول النامية، وتركز على وسائل التنفيذ لتحقيق التزاماتها وفقاً لتلك الوثيقة.
وإذ أود التأكيد على أهمية تعزيز آليات التعاون الدولي وتحمل الدول المتقدمة لمسئولياتها إزاء الدول النامية في مواجهة التحديات التنموية اتساقاً مع مبدأ المسئولية المشتركة متباينة الأعباء، من خلال الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بمساعدات التنمية الرسمية وتقديم وسائل التنفيذ المناسبة بما في ذلك التمويل ، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، بما يشكل أحد الدعائم الرئيسية للدول النامية والأقل نمواً في تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة وتدعيم خططها الوطنية. كما إنني اشدد على أهمية تقديم كافة أشكال الدعم المالي والفني لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الهابيتات) وتعزيزه من خلال زيادة موارده الموجهة وغير الموجهة، حتى يستطيع الوفاء بمتطلبات الدول الأعضاء، والعمل على إصلاحه من خلال توسيع عضويته وصولاً إلي العضوية العالمية حتى يضطلع بدوره في تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة.
واختتمت كلمة مصر بالمؤتمر بالإشارة إلى أن على البشرية أن تستعيد جوهر إنسانيتها، فتشارك في العلم والمعرفة والتكنولوجيا دون احتكار، وأن نتحد في مواجهة التهديدات، وكما كانت مصر منذ فجر التاريخ شاهدة علي بزوغ الحضارة والإنسانية بموقعها العبقري علي ضفاف نهر النيل العظيم، فهى لا تزال وستظل ملتقي الحضارات الشرقية والغربية، فهي بحق قلب العالمين القديم والحديث، وتجدد أمامكم اليوم التزامها بالإسهام المتواصل للوصول إلي عالم أكثر أمناً ورخاءً لأجيالنا القادمة.