عاجل
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

محمد حسنين هيكل.. "الأستاذ" صاحب القلم عابر العصور

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

تعمق في العمل الصحفي حتى لقب بـ"الجورنالجي" لكن تلامذته يقولون "الأستاذ" في الحديث عنه قبل ذكر اسمه، كما أنه يستحق صحفي القرن العشرين في العالم العربي بلا منازع.

ولد محمد حسين هيكل فى 23 سبتمبر لأسرة متوسطة الحال وكان حلم أبية أن يذهب إلى الأزهر ليصبح شيخًا فيه ولكن طموحات والدتة كانت تحلق لمكان أبعد.. فكانت تريد محمد افنديا يرتدى طربوشا حيث أدركت أن التعليم هو الجسر الطبيعى للصعود الاجتماعى فأصرت على الحاق ابنها بالتعليم المدني ومنحة فرص أوسع للإبداع والحياة.

فبعد نصائح الأم قرر محمد الاستجاية لدروس أمه فهرب من شونه أبية بمدية بنها بمحافظة القليوبية وسافر إلى القاهرة عازمًا على قطع طريق الصعود بإرادة قويه.

فخطوته الأولى كانت تجاه التعليم فالتحق لفترة بالقسم الأوروبى فى الجامعة الأمريكية، ودرس سنتين بقسم الدراسات الاقتصادية بمدارس الليسية الفرنسية، فكان هيكل يبحث عن إثراء مهراتة اللغويه حتى لا تكون عائقًا أمامة.

عشق القلم
ومن حسن الحظ أن يتمكن هيكل وهو فى سن التاسعة عشر من عمره الالتحاق بصحيفة "الإجيبشان جازيت" فى عام 1942. وكانت وقتها أكبر الصحف الأجنبية الصادرة فى مصر باللغة الاجنبية، حيث التحق هيكل بقسم الحوادث بالجريدة حتى نال إعجاب " هارولد إيرل" رئيس تحرير الجريدة فى هذا الوقت.

فقد كلف "هارولد" الصحفى الشاب بإجراء حوار مع مصطفى النحاس زعيم الوفد وزعيم الأمة، فبدا هيكل مرتبكًا من فكرة اللقاء بشخصية بحجم النحاس باشا.. فنصحة " هارولد " قائلا أنت تمثل صحيفة توزع عشرات الآلاف من النسخ ولابد أن تدرك أن الصحفى ند لرئيس الحكومة.. كانت الجملة تلك هى بمسابة دروس حياتية ومهانية لهيكل.

وعلى الرغم من إقتراب هيكل من رجال السلطة فى هذا العصر إلا أنه لم يقبل أبدا بأقل من الاحساس الكامل بكبرياء القلم واستقلال الفكر تجاة أي سلطة.

الدرس الثاني
ومن احد الدروس الآخرى التى تلقاها الصحفى الشاب هو أن أخبار الجريمة وتغطيات الحروب هما من مجالات التكوين المثالية لصحفى لمعرفة بما يدور حولة من قضايا واحداث.

ولم تطل رحلة هيكل مع الجازيت أكثر من عامين، فبعدها استجاب لدعوة أستاذه محمد التابعى إلى مجلة "أخر ساعة " فأتاحت لة فرصة الاقتراب من فضاءات السياسة المصرية والتسلسل إلى دهاليز مشكلاتها وأزماتها والتعرف على نجومها وصناعها، كما أن العمل تحت قيادة محمد التابعى امد هيكل بدروس مهانية وحياتية كثيرة.

الصحفى الأول
تحول هيكل إلى الصحفي الأول خلال عهد الرئيس عبد الناصر الذى شهد تأميم الصحافة فى بداية الستينات، بالرغم من تحفظ هيكل على الخطوة التى غيرت خريطة العمل الصحفى فى مصر، إلا أن هيكل لم يخرج خاسرا فى أي مشهد مع " ناصر" بل تحول من محاور الزعيم إلى مرشد سياسي له كما حدث فى ليلة التنحى الحزينة، فبعد هذا المشهد أصبح هيكل الناصح والمرشد السياسي والموجه للزعيم، حيث أختارة "عبدالناصر" ليكون صاحب القرار الوحيد فيما ينشر ويزاع عبر الأذاعتين المسموعة والمرئيه.. بل وأرغمة على تقليد منصب وزير الإعلام، فجمع بين قيادة الأهرام ووزارة الإعلام المصرية.

القلم لا يُعزل
.. لكن الذى أصر على اقتلاع هيكل من قلعتة كان الرئيس السادات، الذى لم يتحمل وزن هيكل، فاتهمه علنا بأنة يريد أن يحكم مصر معه، فانتهز الرئيس الخلاف مع هيكل حول اتفاقية فض الاشتباك بعد حرب أكتوبر ليطيح به من الأهرام، وقد تصور السادات أن عزل هيكل من الأهرام سيكون ضربة قاضية لة لكن نسى السادات أن الصحفي لا يمكن عزلة.

وتوهم السادات أنة "عزل" هيكل من "الأهرام" لكن "المعزول" أثبت بقدرته أن القلم لا يُعزل.. وأن العقل لا يحاصر.. وأن الضمير لا يهمه مقعد داخل مؤسسة.

لكن سنوات "مبارك" كانت خطوات هيكل المكتوبة والمرئية منظمه لأنها سرعان ما ازعجت سلطة مبارك، واستدعت حشد الأقلام للهجوم على الرجل وتاريخة، حتى مداخلاته على قناة الجزيرة وكتاباتة المترجمة للغات عدة كان بها رسائل إلى الشعب المصرى لا يريد نظام مبارك أن تصل وأن تأثر.

وربما كان إعلان هيكل اعتزال الإبداع القلمي تعبيرًا عن حالة الغضب واليأس تجاة المشهد السياسي والاجتماعي المحتقن بكل عوامل السقوط والفساد.

لقد ظل هيكل الصحفي الوحيد الذى لعب مع السلطة واقتحم ملعبها وخرج من معاركها قادرًا على الاستمرار فاحتفظ بهويته الحقيقية وتمسك بدوره كصحفي، فكل تجاربة تُكسب المجال الصحفي عمق وأبعاد أكثر، فنجح هيكل أن يكون عابرا للأجيال والعصور.. بنفس رشاقه قلمة فوق الأوراق.