الحكومة تقسو على أبناء الفقراء.. السياسات التعليمية تتجاهل "ولاد الغلابة".. المدارس الخاصة تزدهر في عهد "السادات".. وحق الانتفاع يقضي على حلم المجانية
خارج الحسابات، هكذا تعاملت الحكومات المصرية مع أبناء الفقراء منذ ما يقرب من 45 عامًا، بعد اهتمامها بالاستثمار في التعليم، وهو ما ترتب عليه ازدهار المدارس الخاصة وضعف نظيرتها الحكومية، وبالتالي كان هناك تأثيرًا مباشرًا وغير مباشرًا على أبناء الفقراء من الطلاب.
ازدهار المدارس الخاصة
بداية ازدهار المدارس الخاصة كانت في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث ساعدت قوانين الاستثمار وما صاحبها من القوانين في فترة السادات في استمرار تشجيع الاستثمار في التعليم الخاص، كما أدت الزيادة في موجات الهجرة إلى ارتفاع أسعار النفط منذ حرب أكتوبر 1973م وإلى رواج اقتصادي، أسهم في الإقبال على التوسع في إنشاء المدارس الخاصة لما لها من عائد مأمون، وليس فيه من المخاطر أو الحاجة إلى خبرات جديدة كما هو الشأن في المشروعات الاقتصادية الأخرى.
إهمال المدارس الحكومية
واستمر الإقبال مستمر على المدارس الخاصة في ظل ما عانته نظريتها الحكومية من كثافة الفصول بعد أن تخطت الـ 50 طالبًا، وهنا أصبح الاهتمام أكثر بالمدارس الخاصة، لتتراجع دور المدارس الحكومية لعدم الاهتمام بها ويصبح الطالب الفقير هو الضحية.
القضاء على مجانية التعليم
وفي الأشهر الأخيرة طبقت وزارة التربية والتعليم مبدأ حق الانتفاع في إنشاء المدارس، بطرح 1000 قطعة أرض على المستثمرين مقابل الانتفاع بها لمدة 40 سنة على أن تتولى الوزارة مهمة الإشراف على تلك المدارس وتحديد المصروفات الدراسية والمناهج وغيرها، وهو ما يعد مؤشرًا للقضاء على مجانية التعليم.
إهمال من منتصف السبعينات
ومن جانبه، قال أيمن البيلي، مؤسس نقابة المعلمين المستقلة، إن الحكومات لم تضع أبناء الفقراء في دائرة الاهتمامات التعليمية من منتصف السبيعنيات، بل وبدا أن هناك توجها من قبل تلك الحكومات باتباع سياسات "ضرب" التعليم الحكومي لتمهد لقبول خصخصة التعليم.
وأضاف "البيلي"، في تصريحات خاصة لـ"العربية نيوز"، أن الحكومة اقتطعت مدارس حكومية مجانية لتحولها إلى مدارس تجريبية في انتقاص واضح واقتناص لحق من حقوق المواطنة ومخالفة لنصوص دستورية تنص على أن التعليم حق لكل أبناء المجتمع ومجاني وتلتزم به الدولة وتكفله، ثم ظهرت المدارس التجريبية الرسمية العربية بمصروفات، وفي نفس الوقت زيادة منح التراخيص للمدارس الخاصة، والتي تنافست كل مجموعة من مجموعاتها على زيادة رسوم الالتحاق في كل عام دراسى جديد.
وأشار مؤسس نقابة المعلمين المستقلة إلى أن ذلك في مقابل تدهور واضح لظروف وشروط البيئة التعليمية ونقص الخدمات وتدني الأجور بالمؤسسة التعليمية الحكومية والتي تضم الغالبية من الفقراء من أبناء الشعب المصري ورفض الحكومات تجريم الدروس الخصوصية الظاهرة الأكثر تدميرًا للتعليم الحكومي والأكثر ابتزازًا لدخل الأسرة المصرية والأشد خطرًا على قيم المجتمع.
وتابع: "بدا للراصد لمنظومة التعليم المصري فارقًا كبيرًا جدًا بين مخرجات التعليم الحكومي ومخرجات التعليم الخاص من حيث الإتاحة والجودة ناهيك عن أهم وأخطر ناتج لتلك السياسات الطبقية في التعليم ألا وهي النتائج الفكرية، حيث تم تمييع الهوية الوطنية، وتذبذب الذاكرة المعلوماتية لأجيال متعاقبة من أبناء الوطن واهتزاز فكرة الانتماء وزيادة الشعور بالاغتراب داخل الوطن وفقدان الثقة في المؤسسة الحكومية للتربية والتعليم.