عروبة القدس.. وحمى التهويد
لم تسلم مدينة القدس في الآونة الأخيرة من المحاولات المتكررة لهويدها سواء عن طريق تنظيم فاعليات وأنشطة يهودية فيها كالحفلات الغنائية اليهودية أو عن طريق تنظيم ماراثون يهودي أو عن طريق تغيير معالم المدينة القديمة بهدم الآثار والأوقاف الإسلامية فيها وإقامة مشروعات استيطانية بديلة وهذا أمر قد تعودنا حدوثه من قبل كيان الاحتلال، ولكن ما لم نعتد حدوثه ألا تسلم المدينة من هجوم بعض المثقفين والمفكرين العرب المنكرين لعروبة القدس!!
حيث ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات تنكر عروبة مدينة القدس وتزعم أنها مدينة عبرانية منذ القدم وأنها تخص اليهود وحدهم ويوجد بها هيكلهم المزعوم والمعروف في المصادر اليهودية بهيكل سليمان!!
ولتفنيد هذه المزاعم الباطلة والأخطاء التاريخية وبالرجوع للمصادر التاريخية غير اليهودية نجد أن مدينة القدس هي مدينة من أقدم المدن في العالم فترجع نشأتها إلى 5000 سنة قبل الميلاد، حيث بناها الكنعانيون وأعطوها اسمها هذا، وفي عام 3000 قبل الميلاد سكنها العرب اليبوسيين، وجددوا المدينة وأطلقوا عليها مدينة السلام نسبة إلى سالم أو شاليم (إله السلام عندهم)، فقد تهدمت المدينة وأعيد بناؤها أكثر من 18 مرة، وقد ظهرت في هذه المدينة أول جماعة آمن بالتوحيد برعاية ملكها (ملكي صادق) وقد وسع ملكي صادق المدينة وأطلق عليها اسم (أورشاليم) أي مدينة السلام.
ولقد حملت القدس العديد من الأسماء عبر فترات التاريخ ورغم هذا التعدد إلا أنها حافظت على الاسم الكنعاني العربي، والمدينة بنيت على سبعة تلال مرتفعة عن سطح البحر 7750 مترا، وتبلغ مساحتها 20790 دونما.
كما أن المدينة لم يطلق عليها أبدًا في التاريخ لا في المصادر اليهودية ولا العربية ولا حتى الأجنبية مسمى (بيت همقداش) كما ادعى المثقفون المنكرون لعروبتها!! فقد كانت المدينة تسمى في المصادر اليهودية (العهد القديم والتلمود) باسمها القديم (أورشاليم) وكلمة (بيت همقداش) هذه إنما أطلقها فقهاء التلمود اليهودي على الهيكل المزعوم وليس على المدينة بأكملها! حتى أن الترجمة الحرفية للكلمة تعني بيت المقدس! وهي كلمة عربية أصيلة مما ينفي تمامًا ادعاء من يزعمون أن بيت المقدس لا يقع في القدس! وكان أولى بهم أن يبحثوا عن المكان الصحيح للهيكل اليهودي المزعوم إن وجد بالأصل بدلًا من أن ينكرون وجود بيت المقدس هناك وينفون عروبة القدس.
وبالرجوع للمصادر اليهودية نفسها (العهد القديم والتلمود) نجدها تعترف بعروبة القدس فنجد أن العهد القديم يؤكد أن كنعان وهو المسمى القديم لفلسطين حاليًا هي أرض كنعانية بما فيها مدينة القدس، وأنها كانت أرض "غُربة" لإبراهيم الجد الأكبر لليهود كما يدعون، وأنه لم يجد مكانا ليدفن فيه زوجته سارة عند موتها– على الرغم من الوعد الإلهي له– فاضطر أن يشتري حقلا من الكنعانيين ليدفن فيه ميته فاشترى منهم "مغارة المكفيلة" وهو ما يؤكد أن إبراهيم الجد الأكبر لليهود لم يكن ليمتلك شبرا واحدا فيها قبل ذلك، ولو كانت القدس عبرانية منذ الزل كما يدعى المغرضون لدفن فيها إبراهيم زوجته!
جدير بالذكر أن حتى هذا الوعد الإلهي في التوراة بميراث الأرض لإبراهيم جاء متناقضًا في المساحة مما يؤكد فكرة التشويش لدى مؤلف التوراة، وأن هذا الوعد لم يتحقق أبدًا على مدى التاريخ حتى في فترة اقتحام فلسطين من قبل اليهود بعد خروجهم من مصر بقيادة يشوع بن نون! فلم يذكر هذا السفر بكل ما يحويه من دموية ضد أصحاب الأرض الأصليين أن اليهود قد دخلوا مدينة القدس في تلك الفترة! حيث لم يستطيعوا إلا أن يدخلوا مناطق محدودة جدًا.
حتى في فترة المملكة الموحدة في عصر داود لم تكن القدس أبدًا خالصة لهم بل كان يشاركهم فيها أهل البلاد الأصليين من الكنعانين والجاليات الأخرى.
أستاذ الدراسات العبرية بكلية الآداب جامعة أسيوط.